طلع تهمة (الدحلاني).. وريح رأسك
نشر بتاريخ: 2025/11/25 (آخر تحديث: 2025/12/05 الساعة: 12:31)

سبحان الله… كم كان المشهد مُضحكًا ومُبكيًا في آن واحد، حين انشغل جيش المطبلين خلال السنوات الماضية في اصطياد كل صوت ناقد داخل حركة فتح، وكأن النقد صار جريمة تستدعي المحاكمة الفورية أمام محكمة التفاهة العليا. فما إن يخرج صوت خارج جوقة السمع والطاعة العمياء—تلك التي وزّعت التكليفات على ذوي الأذناب وهزازي الرؤوس—حتى تنهال عليه التهم المحنّطة كعلب السردين منتهية الصلاحية منذ الحرب العالمية الثانية.

دوماً كان هناك اتهام جاهز، مُعلّب، ومكتوب بخط اليد المرتجف:

"دحلاني… تيار……"

تهمة لا تُرهِق العقل؛ جاهزة للاستخدام الفوري مثل المناديل الرخيصة.

كان هذا الأداء الحركي—الذي أصابته الشيخوخة المبكرة—قد أنتج فطريات فكرية مقيتة لا هي نبات ولا حيوان، لكنها تتغذى على الروتين، وتمتص ما تبقى من العقل الذي تُدار به آليات العمل التنظيمي. والتصقت كالطحالب على جدران الهياكل الحركية، وأفسدت الهواء الذي نتنفسه، وجعلت أي اختلاف بسيط في حدود الاجتهاد يُعامل كتمرّد على الأعراف الفتحاوية الأولى، تلك الأعراف التي أساسها كان التفكير… نعم، التفكير، قبل أن تصير النعمة الكبرى هي القدرة على هز الرأس بالاتجاه الصحيح.

هذه التهمة الساذجة استُخدمت لإعدام الاجتهاد، واغتيال النقد، وتأليه الأشخاص، وتبييض الفساد والفاسدين، ودفن الأقوياء وهم أحياء. بل وصل الأمر لحدّ الاغتيال المعنوي لكل من حاول أن يفكر كما بدأت فتح: حركة تتسع للكل، وتسمع للكل، وتختلف باحترام.

أما صنّاع هذه التهمة؟

فقد كانوا مزيجًا من الهلافيت وكتبة التقارير والغلمان الذين ظنوا أن الهمس في أذن المسؤول أعلى مراتب الوطنية.

وعنّي شخصيًا؟

تعرّضت لمطاردات في تقارير صبيانية كتبتها ثلّة من الانتهازيين الذين خطفوا سفينة فتح وأغرقوها، ثم ادّعوا أنهم الملاحون الوحيدون القادرون على إعادة بناء المجد الغارق.

الغريب أنّ هذه التهمة لا تُسيء لمن تُلقى عليه، بل تُعرّي من يستخدمها، وتكشف قيادة باتت تركز على يقظة الأذن وقدرتها على التقاط الوشوشة، أكثر مما تركز على العقل وقدرته على التفكير.

سنوات طويلة لاحقتني هذه التهمة ومعها التهديد والترهيب ومحاولات الإقصاء وحرمان الرزق والتضييق الوظيفي.

ومع ذلك لم أخرج يومًا لأدافع عن نفسي؛ لأن الدفاع أمام هؤلاء كان سيبدو كأنك تُبرّر سبب المطر وعلاقة بخار الماء بالغيمة. الردّ عليهم ارتباك… وأنا لست مرتَبكًا.

كان المطلوب منّي—كما فعل كثيرون للأسف—أن أشتم دحلان وتياره صباحًا ومساءً، لأحصل على بركة مسؤولي الصدفة والغفلة(رغم أن جماعة دحلان ورفاقه عندي وفي مداد قلمي ليسوا فوق النقد والمساءلة).

لكنني لم أفعل.

فلم أشتم خوفا من أحد، ولم أتبرّأ من قول لأرضي أحدًا.

ولم ولن أنكر أن لي أصدقاء وزملاء ورفاق درب أعزاء ورجال بحق لن أُدير ظهري لهم وأشتمهم (رغم أني لست عضواً في صفوفهم) لأجل رضا الأبوات الخَرَا الذي لا يستحقون حتى حرفًا مهذبًا.

ولو كنت ملتزما في جهة أو فريق أو تيار، لقلت ذلك علنًا دون خوف ولا مواربة، فأنا لست من محترفي التخفي تحت الطاولات. أو بمعنى أدق، كل فريق مكشوف من رأسه قبل قدميه.

واليوم… وبعد أن بدأت تظهر إرهاصات الوحدة الداخلية بين الفريقين، تلك الوحدة التي توقعتها دائمًا، أستطيع أن أقول اليوم بثقة: أن الخاسرين هم الذين استساغوا لسنوات طويلة النباح ورمي الناس بما ليس فيهم.

ولم أتفاجأ، أنهم اليوم يعودون ليمتهنوا مهارة جديدة (الرقص) على إيقاع "الوحدة الداخلية"… رغم أنهم لم يعرفوا حرمة الوحدة يومًا، ولا كرامتها.