منظمة التحرير… شرعية لا تُكسر وفتح التي تنهض من الرماد
نشر بتاريخ: 2025/12/28 (آخر تحديث: 2025/12/28 الساعة: 18:35)

في زمن الفوضى السياسية وتناسل الخطابات المتصارعة، تصبح حماية الثوابت واجبًا وطنيًا لا يحتمل المواربة. فالدفاع عن البديهيات ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة في مواجهة محاولات العبث بالهوية السياسية للشعب الفلسطيني.

أولى هذه الثوابت، وأقدسها وطنيًا، أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. هذه حقيقة راسخة، ليست مادة للجدل ولا بندًا قابلًا للتأويل، بل حصيلة نضال طويل واعتراف عربي ودولي، كُرِّس بالدم والتضحيات.

أما حركة فتح، ورغم ما أصابها من ترهل وتشرذم ومؤامرات داخلية وخارجية، وتكالب الخصوم قبل الأعداء، فإنها ما زالت عمود الخيمة في المشروع الوطني. إن إضعاف فتح ليس صدفة، بل هدف إسرائيلي معلن؛ وكل من يشارك، وعيًا أو غفلة، في هذا الإضعاف، إنما يخدم الاحتلال مهما علت شعاراته.

فتح ليست حزبًا عابرًا، بل تجربة تحرر وطني. وككل التجارب الكبرى، قد تمرض لكنها لا تموت. جذورها مغروسة في عمق القضية لا على هامشها، ولهذا تنهض كلما ظنّوا أنها انطفأت، كما ينهض طائر الفينيق من رماده.

السلطة الوطنية الفلسطينية، على ما فيها من أخطاء إدارية وفساد وتقصير، تبقى إنجازًا وطنيًا ومؤسسة رسمية لا يجوز تقويضها. إسقاط السلطة لم يكن يومًا مطلبًا وطنيًا، بل حلمًا إسرائيليًا قديمًا عبّر عنه نتنياهو صراحة، حين وصف قيامها بـ"الخطأ التاريخي" لأنها تشكّل مقدمة للدولة الفلسطينية. والخطورة تكمن حين يتقاطع هذا الهدف الإسرائيلي مع مواقف فلسطينية، بدل أن يُواجَه ويُفشَل.

أما الرئيس محمود عباس، وبصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه، فهو رئيس منتخب ورأس هرم سياسي معترف به دوليًا. إنكار صفته أو نزع لقبه في سياق سياسي مقصود ليس نقدًا، بل ضرب للشرعية. والخطر هنا لا يستهدف الشخص، بل المنصب والمؤسسة وفكرة الدولة نفسها. والخطاب الوطني لا يُبنى على كسر المقامات أو قلة الأدب السياسي.

في هذا السياق، تكتسب الوثيقة التي نشرتها حماس مؤخرًا دلالة خاصة؛ إذ كشفت بوضوح ما كان يُقال همسًا. فقد أقرت الحركة بأنها تنافس فتح على التمثيل الفلسطيني بوصفها بديلًا لا مكمّلًا، وهو اعتراف يضع الصراع في جوهره الحقيقي: صراع على الشرعية لا مجرد اختلاف برامج.

وعندما تُسمّى السلطة بـ"سلطة رام الله"، فالأمر يتجاوز الوصف الجغرافي إلى نفي الصفة الوطنية الشاملة عنها. والأدهى أن الوثيقة نفسها تقرّ بأن إسقاط السلطة هدف إسرائيلي، ثم تمضي في مسار يتقاطع معه دون أدنى حرج، وكأن الاشتراك مع الاحتلال في الهدف بات تفصيلًا ثانويًا.

الخطر الأكبر الذي نواجهه اليوم لا يتمثل في الاحتلال وحده، بل في تفكيك الوعي الوطني وتحويل الصراع من مشروع تحرر إلى نزاع شرعيات داخلية، لا يستفيد منه إلا عدو واحد.

الخلاصة:

منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، لا بديل عنها ولا شريك في شرعيتها. وفتح، رغم العواصف، ستبقى رقمًا صعبًا في المعادلة الوطنية، قادرة على النهوض والتجدد. وأي مسار سياسي لا ينطلق من هذه الحقيقة، ولا يحترم مؤسساتها ورموزها، إنما يسير—بقصد أو بغير قصد—في الطريق الذي رسمه الاحتلال.