لا يضير أى دولة فى العالم أن تكشف عن أى فضيحة داخلية، حرصًا على سمعة وهمية أو صورة مزيفة.. الفضيحة هى أن تسعى الدولة لإخفائها، والتكتم عليها.. وفى هذا السياق أدان الرئيس الألمانى فرانك- فالتر شتاينماير فضيحة التربح من صفقات الكمامات التى تورط فيها نواب برلمانيون ينتمون للتحالف المسيحى الحاكم.. وأدانت فرنسا ساركوزى بتهمة التأثير على العدالة، وتضليلها.. وتم إلقاؤه فى السجن مع محاميه، وإعلان كل التفاصيل دون حرج.. القضية هى أن تسعى لتنظيف ثيابك بنفسك.. الفساد موجود فى العالم.. والفرق أن هناك من يخفيه ومن يعلن عنه!
والصحافة فى هذه الدول لا تجد تضييقًا من الحكام.. ولكنها تجد المساندة بشرط أن تكون تحت يدها المستندات والوثائق.. وهذه البلاد لا تترك الفاسدين وتحارب الصحافة.. إنما تلاحق الفاسدين وتدعم الصحافة وتقويها وتعتبر أنها تساعدها فى ضبط العدالة وحماية المال العام.. وهذا الرئيس الألمانى يتهم مباشرة نواب البرلمان بالتلاعب فى حصص الكمامات وأسعارها، وقال إن حالات الإثراء الشخصى لا تستحق الغضب فقط، ولكنها تعتبر بمثابة سم للديمقراطية!وقال الرئيس الألمانى "أكثر من هذا فإن الأمر لا يتعلق بسوء سلوك الأفراد أو الثقة فى نزاهة الأفراد فحسب، ولكنه يتجاوز ذلك إلى الثقة فى نزاهة الدولة!".. وهو درس لكل الحكومات.. فالفساد الذى يمارسه الأفراد فى مواقع معينة ليس مجرد فساد فردى ولكنه يعتبر فساد دولة سكتت عنه!.
وطالب الرئيس بسرعة الكشف عن احتمالات وجود حالات أخرى من هذه العصابات التى تستغل الأزمات.. ولم يوفر لها غطاء لأنهم من أعضاء البرلمان ولم يطلق عليهم الصحافة، ولكنه طالب الأجهزة الرقابية ببحث الحالات كلها.. فعل الرئيس ذلك وهو يعلم أنه ليس من وظيفته إجراء تقييم قانونى.. ومعناه أنه يؤكد على استقلال الجهات التى لها حق التقييم القانونى.. وهو وعى كبير بالدستور والقانون الذى أقسم على تطبيقه!
المبدأ أن الإثراء الشخصى من الأزمات إثراء حرام لا ينبغى أن يتورط فيه أحد نائبًا برلمانيًّا كان أو رئيسًا للدولة.. وقد رسم الرجل حدود رئيس الدولة وحدود الأجهزة القضائية أيضًا!
ولذلك توقفت أمام كلام الرئيس الألمانى.. لأن من يلعب فى أزمة الكمامات يستطيع أن يلعب فى أكثر من ذلك، ولهذا كان الاقتصاد الألمانى أكبر اقتصادات الاتحاد الأوروبى.. فهو الأكبر لأنه الأكثر ثقة.. مثلًا، أنجيلا ميركل ظلت حتى غادرت مكانها تعيش فى شقة من النوع الاجتماعى الذى تعيش فيه الطبقة المتوسطة.. لم تمتد يدها لأى مليم ولم تطلب لنفسها شقة أكبر فى العاصمة، وظلت تغسل ملابسها وتنظف بيتها، وتطبخ دون شغالة!
إنها حرمة وقدسية المال العام.. الذى لا يتحدثون عنه فى خطبهم، ولكنهم يمارسونه فى وظائفهم.. ولا يجدون غضاضة فى فضح من يتورط فى الإثراء الشخصى.. مع أن الكمامات لا تحقق ثراء فاحشًا!
الخلاصة، هذه السمعة هى التى تجعل هذه البلاد جاذبة للاستثمار، وتجعل بلادًا غيرها طاردة!
المصري اليوم