ابتعدنا زمناً عن مهنتنا الأصلية وهي الجراحة رغم قربها من التحليل والتشخيص للحال السياسي ففي الجراحة أيضا تحليل وتشخيص وعلى رأس ذلك في الحالتين أو التخصصين يتربع على عرشهما عملية اتخاذ القرار .
على جانب طبي آخر تخصصنا فيه وهو الصحة العامة وبالمناسبة التخصص الوحيد في الطب الذي كله سياسة هو تخصص الصحة العامة، ولتسهيل فهم ذلك ببساطة شديدة جدًا فإن الصحة العامة تتعامل مع المجموع وليس الفرد أو المريض الواحد، والصحة العامة هي صحة العوام Public أي الجمهور وليس الفرد أو المريض الواحد وهذا هو لب عمل السياسة التي تعتني بمشاكل العوام، ويمكن أن نستحدث تعريفاً جديداً للسياسة، بأنها ما يتعلق بصحة الجمهور أو الناس أو الشعب. ولذلك فإن كل شيء يتعلق بأكثر من فرد هو سياسة، ولا أريد أن أطيل الشرح ...
كل هذه المقدمة لكي ندخل في موضوع عنوان مقالنا اليوم وهو موضوع سهل ممتنع ظاهره بسيط وداخله مهم جداً لأنه يتعلق بأكبر عقد التغيير في الحياة وهو تغيرات العمر أي Aging .
نعود للعنوان، الانتصاب والكلمة أو المصطلح هنا ليس المقصود به الانتصاب الذكوري كما يتبادر للذهن لأول وهلة، رغم أن الانتصاب الجنسي هو أحد مضامين الحالة التي أتحدث عنها.
الحالة التي أتحدث عنها اليوم هي من "المنسيات" أو " المهملات" في جميع العلوم، والتي تبادر لذهني أن أحدثكم عنها ولولا أن العمر قارب على السبعين وتنبهت لأهمية الموضوع لظلت من المنسيات.
تذكرون مارسيل خليفة وهو يغني قصيدة سميح القاسم منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي..
طبيًا ماذا يحدث بمرور العمر؟
هذا ما نود الإضاءة عليه في موضوعنا وتقديري هذا هام جدًا لا يعرف أهميته إلا من بدأ يكبر عمرًا، ورغم أهمية معرفته لدى الشباب أيضًا ليعرفوا ماذا عليهم فعله تحضيريًا لكي يبقوا مرفوعي الهامة ومنتصبي القامة والجسم عند تقدم العمر.
بمرور العمر يتراجع الانتصاب البدني بمجموعة، انتصاب القامة يتراجع فينحني الجسم وتتآكل الفقرات ويميل الرأس فلا تحمله الرقبة المنحنية وترتخي العضلات الخارجية والداخلية وتتيبس الأربطة ويتقوقع الجسم ويقصر الطول ولا ترتفع الهامة كما سن الشباب هذا مهم للمعرفة لممارسة الرياضة مبكرًا وتواصل ذلك وبكل أنواع الرياضة التي تستطيع ممارستها للحفاظ على الانتصاب البدني حيث الرياضة هي أهم عنصر للحفاظ على قامة منتصبة أو معتدلة لأطول عمر.
الأهم للمحظوظين فيمن هم في بداية سن الخمسين وما فوق، هناك قضايا وشكاوى ستبدأ تؤرقهم وتشغلهم وتسيطر على نفسياتهم فتحدث الإحباط والاكتئاب والحرج أمام الآخرين وتحد من حركتهم فليتزمون بيوتهم ويخشون مغادرتها خشية من مضاعفات الكبر في العمر من الجنسين ومضاعفات ذلك على صحتهم وحركتهم واحتياجهم المستمر للتبول ... لماذا ؟
هنا وفي سن الخمسين وبعدها تتآمر الشيخوخة والضعف والأمراض المزمنة والأدوية المستخدمة للعلاج والتقاعد والكنبة والجلوس أو الاضطجاع الطويل مع الجاذبية الأرضية في إضعاف الأعضاء والخلايا وأجهزة الجسم الداخلية غير المنظورة والأطراف المنظورة وحركة الأيدي والأقدام والمفاصل، حيث الإنسان في الأصل ولوقت طويل منذ أن يقف على قدميه يكون منتصبًا وفي حالة وقوف غالبًا وأجهزته وخلاياه وأطرافه وشرايينه وأوردته وأمعاءه وأربطته وفقراته ورئتيه ومثانته وكليتيه وكبده في حالة انتصاب حيوي يقاوم الجاذبية الأرضية أثناء الوقوف والحركة وأداء الأعمال، ولكن بتقدم العمر يبدأ هذا الانتصاب بالارتخاء والهبوط إلى الأسفل نتيجة ضعف الخلايا والأربطة والعضلات وتتفاقم المشكلة بتضخم غدة البروستاتا في الرجال وتكرار الولادات في النساء ويؤدي ذلك إلى ضعف في التحكم في البول وكثرة الذهاب لدورة المياه وكسل حركة الأمعاء وهبوطها تؤدي للإمساك وضعف الانتصاب لدى الرجال وسلس البول وعد التحكم فيه، وكذلك هبوط الرحم والمهبل والمثانة وضعف عضلات التحكم في النساء والرجال فتتفاقم المشكلة إذا ما كان الإنسان مريض سكر أو ضغط أو قلب وتلك هي أمراض سن الخمسين وما فوق، فالسكر يضعف الأعصاب والعضلات إضافة للسكر نفسه الذي يؤدي لعمليات التبول المتعددة أصلا، أضف لذلك فإن كل علاجات ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب في غالبيتها مدرة للبول ناهيك عن زيادة شرب القهوة والسجائر والسوائل وكميات الأكل المضاعفة التي تزداد بحكم السن والقعدة دون عمل أو دون نشاط، ولذلك فإن أهم أسباب حرص كبار السن البقاء في المنزل للبقاء قريبين من الحمام أو دورة المياه ومشاكل البول والبراز وضعف العضلات تؤدي للاكتئاب والعزلة.
ما الحل؟
غالبية الحالات يمكن علاجها دون دواء وقبل حدوث المضاعفات ودون عمل التحاليل والأشعات والعمليات ودون تكاليف ذلك من مال ووقت ومعاناة وكله يجب الانتباه له قبل حدوث الشكوى فإذا انتبهوا مبكرًا من هم في سن الخمسين للوقاية وذلك بتقوية عضلات قاع الحوض ، وبالمناسبة تتناقص نسب الاستجابة للتمرينات وكلما تقدم العمر نساءًا ورجالًا تزداد تلك المشاكل تعقيدا والحل بسيط وغير مكلف وهو تقوية عضلات صغيرة ورفيعة لا تظهر حركتها ولكن بالتمرينات الرياضية أو العلاجية مبكرا تظهر نتائجها الايجابية وتستعيد هذه المنطقة أي قاع أو أرضية الحوض حيويتها وتتدفق الدورة الدموية لتلك العضلات المبطنة لأرضية أو ما يسمى قاع حوض الإنسان وهذه التمرينات تسمى تمرينات كيجل Kegel Exercises
وأهم تمرين فيها بالمناسبة هي أن تستلقي على الظهر وتثني ركبتيك وتضع وسادة صغيرة أو كتاب بين الركبيتن والضغط على الوسادة أو الكتاب بركبتيك مع تباعد القدمين وشد أو قبض عضلة الشرج وشفطها للأعلى وترخيتها ببطء، وتكرار ذلك عشر مرات وترتفع تدريجين لعشرين انقباضة في الجلسة الواحدة، ويمكن عمل جلسة واحدة أو جلستين يومين والمداومة عليها وكلما تم قبض عضلة الشرج في أي موضع كان وقوفا وجلوسا واستلقاءًا ستجد نتائج جيدة في غضون شهر .. وكلما مارسنا هذا التمرين مبكرا سوف تقل تلك المشاكل والمضاعفات وسوف تحافظ على عملية التحكم في عملية التبول وتمنع الإمساك وتحافظ على الانتصاب الجنسي لفترات عمرية أطول رجالا ونساءًا .. صاحبتكم السلامة.