طالما رددنا عبر الحقب الماضية، ورددها معنا غالبية كبيرة من المثقفين والسياسيين الوازنين ونشطاء اليسار خاصة القادرين دومًا على التحليل بثقافتهم الجدلية، جملة "الحل الممكن هو حل الدولتين.. والحل التاريخي هو حل الدولة الواحدة".
وبين الممكن والتاريخي مسافة كبيرة، يتحكم فيها الزمن وتطورات الصراع العربي الإسرائيلي في نطاقه الأوسع يتبعه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في نطاقه الأضيق، وتحولات السياسة الدولية.
ما طرحه دحلان في العلن ونقله من الحالة النظرية والرغائبية الحذرة لكثير من المثقفين والسياسيين إلى أرض الواقع أحدث إرباكًا إيجابيًا، ليس على الصعيد الفلسطيني فقط، بل أحدث إرباكًا للحالة الإسرائيلية، والعربية، والإقليمة، والدولية.
إيجابية هذا الطرح، طرح حل الدولة الواحدة يختصر الزمن، وتأتي أهميته التكتيكية على الأقل من انزواء حل الدولتين، وإهمال كبير للقضية الفلسطينية من قبل الجميع نتيجة:
أولاً: ليس فقط بتراجع قوة الدفع الإسرائيلية لعملية السلام، بل تعمد اجهاضها منذ تبنى اليمين الإسرائيلي عملية إفشال هذه العملية التي بدأت أولى خطواتها بمقتل إسحق رابين، وتبعتها خطوات منع إقامة الدولة الفلسطينية التي قادها بنيامين نتنياهو وتحالفات اليمين الإسرائيلي لتخريب العملية السلمية بمصادرة الأرض في الضفة الغربية والاستيلاء على القدس كلها وما حولها من أراض، وكذلك محاولة الاستيلاء على أراضي الغور التي توجتها اعترافات الرئيس الأمريكي ترامب، وما عرف بصفقة ترامب.
وثانيًا: واكب كل ذلك تراجع العالم في اهتمامه بالقضية الفلسطينية وعملية السلام.
وثالثًا: بترهل عربي وانشغال أنظمته في الصراع مع التحولات السلبية للربيع العربي والحروب الداخلية التي أضعفتهم.
ورابعًا: بصراع القوى الكبرى في الإقليم على النفوذ واحتلال إرادات الدول العربية وثرواتهم كإيران وتركيا وجماعات الإسلام السياسي الساعية للسلطة وتقلد سدة الحكم.
نكش محمد دحلان عش الدبابير النائمة عن القضية الفلسطينية، فتطايرت مرتبكة مصطدمة بحائط الفلسطينيين الذين لا ينامون في البحث عن تقرير مصيرهم، وعلى العالم والعرب والإسرائيليين عدم النوم مادام فلسطيني واحد لا يستطيع النوم أرقاً من الظلم.
وقد يتبع طرح دحلان الدولة الواحدة، الرئيس عباس في هذا الطرح بعد مهلة العام التي تحدث عنها لأخذ موقف من العملية السلمية ومن ثم يتبناها الكل الفلسطيني في العام الجديد. والجميع سيصبح في ورشة عمل موسعة تحيي الجدل والعمل بروح جديدة من الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب وكل الأطراف المتداخلة في القضية الفلسطينية وحيثياتها.