في يناير 2021 أصدرت محكمة لدولة الكيان الإسرائيلي قرارًا بمنع عرض فيلم "جنين جنين" بعد مطاردة قضائية طويلة، وهللت أوساط جيش الاحتلال لحكم ضد أهم وثيقة سجلت أحد أبزر جرائم الحرب التي نفذتها قوات الاحتلال بأمر رئيس وزرائها الإرهابي الراحل شارون، أبريل 2002.
حرب دولة العدو القومي ضد فيلم "جنين جنين" للفلسطيني المبدع محمد بكري، كان حكما لـ "تخليد جرائم الحرب" ضد الرواية الوطنية في مقاومة الاحتلال، وخاصة وأن الضمير الإنساني العالمي بدأ ينتبه إلى حقيقة الجرائم التي تم ارتكابها دون مساءلة رغم أنها الأبرز في عصرنا، ولعل قرار الجنائية الدولية بالبدء في عملية المساءلة تكون حافزًا للانتقام القانوني من مجرمي الحرب.
وفي الذكرى السنوية الأولى لقرار الطغمة الإرهابية الحاكمة في تل أبيب بمنع "فيلم الرواية التاريخية" لمعركة جنين البطولية، التي ستبقى علامة فارقة في مواجهة المحتلين، أقدمت قوات أمن السلطة على ارتكاب "فضيحة جنين" باعتداء أقل من يمكن وصفه بأنه غير إنساني، همجي المظهر بدائي السلوك، حاقد التنفيذ على الشاب محمد زكريا الزبيدي ابن أحد رموز معركة جنين أبريل 2002، التي جسدها الفيلم التاريخي "جنين جنين"، وكان والده زكريا رمزًا من رموزها.
مفارقة غريبة، تزامن عمل إرهابي من قبل جهاز أمني تابع لسلطة دفع والد الشاب محمد وقبله جده محمد وجدته وعمه اللذان استشهدا في تلك العركة الخالدة، ثمنًا لقيامها وتكوينها ومن أجل قضية وطنية، تدعي تلك الأجهزة أنها موجودة من أجل صيانة كيانها المؤسس 1994، مع قرار "قضائي" انتقامي" من دولة العدو لفيلم محمد بكري الخالد.
المشهد الذي وثقته "كاميرا" أحد العابرين ليلا لعملية "الحقد الإنساني" على الشاب محمد الزبيدي، يمكن اعتباره لحظة عار وطني، ليس لأن المعتدى عليه ابن أسير وحفيد مناضل فتحاوي وشهيدة من شهداء المعركة الخالدة، بل لكونه فلسطيني شاب، تمنى أن يكون سلاحه لجهة واحدة دون غيرها، سلطات الاحتلال ومؤسساتها الأمنية الغازية.
المشهد الذي انتشر لتصوير "لحظة العار" لا يجب اعتباره حدث عابر، وخطأ تنفيذي لأمر اعتقال أو مطاردة لسيارة مجهولة، كما حاول بيان أصدرته الجهة المتهمة أساسًا، بطريقة استخفافية بالفلسطيني، وعيا ومدرسة، وتكريسا لذات المنهج الاحتلالي، عندما تقدم على اعدام فلسطيني فتجد أنه كان مطلوبا فهرب...
المشهد – الجريمة والبيان التبريري العار، لا يستحقان سوى اعتقال كل من كان شريكًا في الجرم الإنساني ضد محمد ورفاقه، وتقديمهم للمحاكمة الوطنية، ومعها إقالة المسؤول عن الجهاز الذي قام بالجرم غير الأخلاقي – غير الوطني، ومحاسبة محافظ جنين عن تلك الجريمة.
خطوات، لا يجب أن تكون مكانًا لنقاش، بل للتنفيذ الفوري، لو أريد ألا تذهب الأمور بعيدًا، خاصة وأن تلك المدينة ومخيمها رمز للمقاومة الشعبية والمسلحة ضد المحتلين الغزاة، ليس حاضرًا فحسب، بل تاريخا طويلاً...
دون محاسبة حقيقية لعناصر تلك الجريمة الوطنية تفتح السلطة خيارًا لن يكون لصالحها، خاصة وأن عناصر الغليان الشعبي من سلوكها العام، وطنيًا واجتماعيًا وصل إلى نقطة الغليان ما قبل الانفجار.. ولا نحتاج لشواهد لإثبات الثابت.
"حماية للجبهة الداخلية" المصابة بكثير من الثغرات السياسية والاجتماعية سارعوا باعتقال مرتكبي تلك الجريمة واقالة فورية لمسؤول جهازهم وكل من له صلة بذلك.. دونه سيكون للمشهد جانب غير مضيء.
الخيار للرئيس محمود عباس وفريقه الأمني المصغر المتحكم: الردع لمرتكبي الجريمة أو فتح جبهة اشتعال جديدة في محافظة مخزونها الناري كثيف.
لا مجال لمداهنة أو مساومة لتعويض بعضا من "كرامة انسان" و"كرامة مسار" سوى تنفيذ عدالة لن تكون مطلقة ولكن نسبيتها خير من تجاهلها!