الكوفية:القارئ لتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي منذ بداياته، يستطيع أن يدرك أن بسط الهيمنة الإسرائيلية يسير وفقاً لتسلسل محكم التنفيذ دون ترك مجال لأي خلل، لا سيما أن الصراع ليس عابرًا وهو بالنسبة للجانب الإسرائيلي صراع وجود.
في الخطوة الأولى كان لا بد من حسم عسكري، واستخدام مفرط للقوة، وإظهار الوجه المرعب للمشروع الصهيوني بهدف تهجير الفلسطينيين وإرساء قواعد دولة إسرائيل وما حدث في دير ياسين أكبر مثال على ذلك، والاستمرار فيما بعد باستخدام القوة العسكرية سواء في الحروب مع العرب أو أي مواجهات مع الشعب الفلسطيني تعزيزا لمفهوم الجيش الذي لا يقهر.
الخطوة الثانية: تقزيم القومية العربية وإضعافها
لا يخفى على أحد أن القوميين والقومية العربية يعتبر تهديد أساسي لوجود الكيان الإسرائيلي، واستمرار التعبئة والتحشيد ورفض التعامل مع إسرائيل ووصفها بكيان غاصب لا يمكن استيعابه وبالتالي فإن التمدد للمشروع الصهيوني لن يتم بدون تمزيق القوميين واضعافهم، وقد ظهرت حالة التشظي جليا والمشهد البائس للقومية بعد احتلال العراق، وقد استطاعت إسرائيل إلى حد بعيد تحجيم التهديد وتحويله إلى مجرد شعارات وبكاء على اطلال العروبة المنهكة والمنهمكة في شأنها الداخلي خاصة بعد أزمة الربيع العربي.
الخطوة الثالثة: صراع العزلة
استكمالاً لما سبق من خطوات كان لزاماً على دولة الاحتلال أن تسعى بكل قوة للخروج من العزلة الدولية من طرف العرب ودول العالم الإسلامي وكل الدول المناصرة للقضية الفلسطينية، والانفتاح على العالم بما لا يقتصر على الاقتصاد فقط بل ويقفز ليذهب للانفتاح السياسي والاجتماعي والفكري، وهو ما يضمن حصانة دولية وربما إعلامية للمشروع، ويعزز وجود إسرائيل كأمر واقع وجزء اصيل في المنطقة وليس كجسم غريب ومنبوذ، والعمل يجري حالياً بمنهجية متسارعة نحو ذلك.
مما سبق نجد أنفسنا أمام كم هائل من الأسئلة، ولكن الأهم أن تزامن الخطوة الثالثة والترهل في أداء السلطة الفلسطينية ووصولها إلى حالة الإفلاس السياسي سيقودنا إلى اين؟
ما زلنا نعول على العمق العربي، واندفاع الشعوب عاطفيًا نحو قضيتنا وهو ما ظهر واضحاً في العدوان الأخير على غزة والشيخ جراح من ردات فعل في الكثير من الدول العربية، ولكن بالبعد السياسي فهذا ليس كافياً، وإن كانت السلطة تنفق موازنات هائلة على السفارات والقنصليات حول العالم دون برنامج سياسي واضح ومترجم على أرض الواقع فماذا أنجزنا في سباقنا الماراثوني مع الاحتلال؟!.
من باب الواقعية والحرص علينا إدراك التراجع في شعبية القضية والحاصل على مستوى الشعوب والحكومات، ورأينا عدة نماذج من تحول دول مناصرة للقضية الفلسطينية إلى دول تتمتع بعلاقة جيدة مع إسرائيل وتتحيز لها، ولا يوجد أي استنفار في وزارة الخارجية أو انتفاض على مستوى السلطة أو المنظمة، والاكتفاء بمنح المغني الفلاني جنسية فلسطينية فخرية، و تهنئة رئيس دولة أو حزب، وكأنها لجنة اجتماعية على مستوى دولي.
هنا يجب التوقف كثيراً والعمل بجدية على العمل بشكل موازي للسلطة بالتعويل على الجاليات والنشطاء والمؤثرين نحو إيجاد مناخ مناسب لاستعادة الالتفاف العالمي حول القضية وإيصال الصورة الحقيقية لمعاناة الشعب الفلسطيني، وقطع الطريق على العاملين جهلا أو خيانة على تشويه الشعب الفلسطيني بتصويره بأنه المهاجم والمنتقد اللاذع والاتكالي الذي يبحث عن حريته على حساب الآخرين.
للأسف نشهد تراجعًا في كل الجوانب، ويجب على الجميع إدراك خطورة المرحلة والنهوض بصيغة وطنية موحدة وفق استراتيجية واقعية قابلة للتنفيذ، بما يمهد انتقالنا من مرحلة التعامل مع الظرف الموجود إلى مرحلة صناعة الظرف الذي يخدم أهدافنا.