- شهداء وجرحى بقصف الاحتلال مجموعة من المواطنين قرب مدخل قرية المصدر وسط قطاع غزة
كلما تعثرت مفاوضات فيينا غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، برعاية مجموعة الدول الشريكة في الاتفاق المبرم بين الدولتين العام 2015، والذي تنصلت منه لاحقا إدارة دونالد ترامب بتحريض إسرائيلي العام 2018، عاد الأمل يداعب إسرائيل لمنع التوصل إلى اتفاق يقتصر على العودة للاتفاق السابق دونما تعديل أو تبديل، وهي بذلك لم يغمض لها جفن طوال نحو عام مضى على جولات التفاوض السبع التي جرت حتى الآن في العاصمة النمساوية.
وفي الوقت الذي يمكن القول فيه إن عين تل أبيب ظلت تراقب ما يحدث في كواليس المفاوضات في فيينا، فإن يدها الطويلة لم تتوقف عن العبث في غير مكان من الشرق الأوسط، وخاصة منطقة الخليج، حيث إن إسرائيل دأبت على التحرش المتواصل بإيران لدفعها إلى الإقدام على عمل عسكري يكون ذريعة لخلط الأوراق، والخروج من مسار التفاوض في فيينا.
إن إصرار إسرائيل على أن تكون شريكا في اتفاق لا يخصها، وإن كان يخص الشرق الأوسط، يكشف عن الطموح الإسرائيلي الذي يتجاوز حدودها، في أن تكون اللاعب السياسي الأول في الشرق الأوسط، وهي بعد أن يئست على ما يبدو من القيام بأعمال عدائية داخل إيران، بعد أن تأكد لها أن اغتيال علماء الذرة الإيرانيين لم يوقف العمل الإيراني الحثيث لامتلاك الطاقة النووية، وبعد أن كبلت يدها التي واصلت التطاول على سورية ولبنان، تقوم هذه الأيام بمد يديها الاثنتين تجاه حدود إيران مع الخليج العربي، مستغلة إلى أبعد الحدود اتفاق أبراهام سيئ الصيت والسمعة مع كل من الإمارات والبحرين.
لذا كانت زيارة وزير الجيش الإسرائيلي إلى البحرين، ذات مغزى وأهمية بالغة، ليس لأنه سمح للمسؤول الإسرائيلي بالتحليق فوق أجواء السعودية المستهدفة من قبل إسرائيل بالانضمام إلى اتفاقية التطبيع وحسب، بل لأن ذلك يعني أن اتفاقات أبراهام كانت تهدف إلى وصول القوة العسكرية الإسرائيلية إلى الخليج، خاصة أن البحرين تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، وهي - أي البحرين - مركز القيادة الأمريكي الخاص بالتنسيق العسكري في الشرق الأوسط الذي ضم إليه إسرائيل العام الماضي.
يأتي ذلك بعد مناورة سرية أجراها سلاح الجو الإسرائيلي قبل أسبوعين، وفق ما أعلنته قناة البث الإسرائيلية الرسمية «كان 11»، المناورة التي شارك فيها ضابط عسكري أميركي كبير كمراقب، تحاكي هجوما على أهداف بعيدة تشمل أهدافا في إيران.
ويأتي ذلك أيضا عشية تدريبات «آي أم أكس» البحرية الضخمة في الشرق الأوسط، والتي ستجري في الخليج وبحر العرب وخليج عمان والبحر الأحمر وشمال المحيط الهندي، وتقودها الولايات المتحدة وتضم 60 دولة من بينها كل من عمان والسعودية، إضافة بالطبع لإسرائيل.
هل يعني ذلك تذكيراً بالحرب التي ضمت أكثر من ثلاثين دولة والتي شنتها قبل ثلاثة عقود من الآن الولايات المتحدة على العراق؟ ربما، وربما أيضا أن الولايات المتحدة وبتحريض إسرائيلي أيضا، تتطلع إلى التعويض عن الإخفاق المتوقع جراء صراعها مع روسيا على حدود أوكرانيا، وربما أيضا وأيضا، أن كل هذا يعتبر رسالة للضغط على إيران للقبول بالعودة للاتفاق في فيينا، وفق الشروط الأمريكية.
المهم هو أن إسرائيل، بهذا المنحى، تزيد من نفوذها المدعوم أميركيا في الشرق الأوسط، وتصرف النظر عن تهيئة الأجواء لدفعها في مسار تفاوضي حول الملف الفلسطيني، خاصة أن هذه التحركات تأتي عشية تقرير منظمة العفو الدولية، والذي استنفدت أربع سنوات لإعداده، وخلص إلى أن إسرائيل دولة فصل عنصري، لا بد من محاكمتها، والتعامل الدولي معها على هذا الأساس.
ولا شك بأن للولايات المتحدة حساباتها التي ليست بالضرورة تتطابق مع الحسابات الإسرائيلية، لكن أن تتقاطع حسابات الدولتين - خاصة أن واشنطن انفردت من بين دول العالم، في رفضها لتقرير منظمة العفو الدولية، في وقت ما زالت فيه إدارة جو بايدن تبيع الكلام الفارغ للجانب الفلسطيني، تماما كما تفعل الحكومة الإسرائيلية التي أعلنت قبل وقت عن تسهيلات للجانب الفلسطيني على المستوى المعيشي والاقتصادي، دون أن يجري الإفراج عن أموال المقاصة المحتجزة لديها، تماما كما لم تقدم واشنطن حتى اللحظة على تنفيذ وعدها بافتتاح قنصليتها في القدس الشرقية المحتلة - يعني أن ذلك يبعث على القلق الإقليمي.
ويبدو أنه مع هبوط حدة التوتر والحروب الداخلية التي أكلت من الجسد العربي حتى وصلت لحمه الحي، في كل من ليبيا وسورية، فإن إسرائيل تسعى ليس فقط للإبقاء على النار مشتعلة في اليمن، بل إلى حرق الخليج العربي بأسره، وقطع الطريق على كل محاولات التقارب التي لاحت في الأفق مؤخراً بين كل من الإمارات والسعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى. وأن إسرائيل التي عملت من «الحبة قبة» كما يقول المثل، بأن اصطنعت حكاية مدفع صدام حسين العملاق، ومن أكذوبة امتلاكه للسلاح الكيماوي، والذي أكدت بعثات التفتيش الدولية عدم وجوده، قبل ثلاثة عقود، إلى أن تجعل من أكذوبة نية إيران امتلاك السلاح النووي ذريعتها لشن حرب بالنيابة عنها، أي أميركية على أقل تقدير، أو دولية على أبعده ضد الدولة المهمة في الشرق الأوسط، وذلك لمواصلة إفراغ المنطقة بأسرها من كل قوة أخرى سواها، حتى تسرح وتمرح في هذا المحيط النفطي الذي يعتبر عصب الحياة للدول الصناعية وفي مقدمتها أوروبا.
إن مشكلة إسرائيل لم تعد فقط في احتلالها لأرض دولة فلسطين، ولم تعد مع الفلسطينيين وحسب، ولا مع العرب فقط، وهي لم تكن يوما مشكلة وجود، أو سعيا منها للعيش في حدود آمنة، لكنها تكمن في كونها دولة استعمارية لا حدود لطموحاتها في التوسع والسيطرة والاستعمار، وبالتالي السطو على أموال وممتلكات وثروات الدول الأخرى.
ومدخلها إلى ذلك ككل دول الاستعمار القديم، هو القوة العسكرية، التي تصر على أن تكون قصرا عليها وحدها، بدءًا من امتلاك القوة النووية، حيث تشير التقديرات المؤكدة إلى أنها تمتلك أكثر من 70 رأسا نووية، وليس مرورا بالتفوق في سلاح الجو، وفي تفاصيل الأسلحة على كل المستويات، بما في ذلك سلاح الاستخبارات والتجسس، وطالما هي بهذا الوصف، فإن حربها لم تكن ولن تكون فقط مع الشعب الفلسطيني، بل مع شعوب المنطقة بأسرها، ولن يطول الوقت مهما نجحت في شن الحروب على اندلاع المقاومة الإقليمية ضدها، وعلى اتساع رقعة إدانتها العالمية التي لن تتوقف إلا بعد تفكيك أجهزتها العدوانية وتغيير طبيعتها العنصرية.