- شهداء وجرحى بقصف الاحتلال مجموعة من المواطنين قرب مدخل قرية المصدر وسط قطاع غزة
ربما أن المجلس المركزي سُمي بهذا الاسم، أو أُطلقت عليه هذه الصفة، لكونه يقع في ما بين كل من سلطتي (م ت ف) التشريعية أي المجلس الوطني، ولجنتها التنفيذية، أي حكومتها أو سلطتها التنفيذية، لكن المؤكد أن المجلس المركزي، بعد أن كان المجلس الوطني، هو الذي يحوز على كل الاهتمام الداخلي والخارجي، كونه كان يجمع الكل الوطني، ويحدد سياسات المنظمة، بين كل فترة وأخرى، المؤكد أنه بعد إنشاء السلطة الوطنية، صار المركزي هو الذي يحوز على هذا الاهتمام، وإن كان بدرجة أقل، خاصة بعد حدوث الانقسام، لأنه مع السلطة صار مجلسها التشريعي هو الذي يمثل السلطة التشريعية. وقد كان انعقاد المجلس الوطني يثير اهتمام المحيط الإقليمي نظراً لكون القضية الفلسطينية وعبر عقود مضت، كانت تعتبر قضية العرب الأولى، بل القضية المركزية لكل الشرق الأوسط، فقد كانت تعتبر مفتاح الحرب والسلم في المنطقة، حين كان الصراع ليس فلسطينياً/إسرائيلياً وحسب، بل عربياً/إسرائيلياً أيضاً، وحين كانت المواجهات العسكرية تجري بين إسرائيل ومحيطها العربي، إن كان بشكل مباشر، مع دول الجوار، أو بشكل غير مباشر حين كانت معظم الدول العربية تدعم مصر وسورية سياسياً ومالياً، في جهدها العسكري، كما حدث عام 1973.
المهم أن المجلس المركزي في دورته الحادية والثلاثين والتي عقدت خلال الأسبوع، كان يمكن أن تمر دون الكثير من الاهتمام، لولا أن فصائل مقاطعة أعمال الدورة، رفعت عقيرتها، ليس من باب تعزيز دوره، وبالتالي مكانة (م ت ف) التي تبقى الملاذ الأخير الجامع للكل الوطني، هذا مع أنهم بالقول يكثرون من الادعاء بالتمسك بالمنظمة والحرص عليها والمطالبة بتفعيلها، ولكن حين تقف الأقوال أمام الفعل، يتبدد كل الادعاء، ومع ذلك فإن مشاركة كل فصائل المنظمة، باستثناء الجبهة الشعبية، التي يبدو أنها تعاني داخلياً بعد رحيل قيادتها التاريخية، ومع استمرار اعتقال أمينها العام، تواصل اتباع سياسة «الحرد» والانسحاب من المنظمة لفرض مواقفها السياسية المعارضة من خارجها، وكذلك المبادرة الوطنية، التي يبدو أنها لم تعد تتجاوز حدود شخص أمينها العام، وبالطبع كل من «حماس» و»الجهاد»، اللتين ما زالتا ترفضان الانضمام للمنظمة، بما يدحض كل ادعاءاتهما بالاعتراف بها كممثل شرعي وحيد وكأحد المنجزات التاريخية لكفاح الشعب الفلسطيني.
صحيح أن (م ت ف) بحاجة إلى تفعيل وتعزيز دورها إن لم يكن كبديل للسلطة، فكمسؤول عنها، وداعم لها، وكملاذ أخير، لو تم في لحظة ما تفكيكها أو سقوطها، حتى لا يبقى الشعب الفلسطيني بلا قيادة تقود كفاحه وتجمع أشتاته على طريق الحرية والاستقلال، لكن التفعيل وتعزيز الدور، يكون أولاً بالفعل، وثانياً من داخل المنظمة، وعلينا أن نتخيل لو أن «الشعبية» و«حماس» و«الجهاد»، يشاركون في أعمال المجلس المركزي، فمن المؤكد، بأن قراراته ودوره ستختلف وستكون أقوى ليس على صعيد تصحيح المسار، وليس على الصعيد الداخلي وحسب، ولكن سيكون ذلك رسالة قوية واضحة، لكل الأطراف الخارجية، بمدى القوة التي سيكون عليها الموقف الفلسطيني، وعلينا هنا أن نستذكر، ما كانت عليه (م ت ف) بعد العام 1982، وصولاً الى العام 1987، بعد الخروج من بيروت، ووقوع الانشقاق داخل حركة فتح بعده، وما صارت عليه بعد دورة المجلس الوطني السادسة عشرة في الجزائر، والتي كانت أحد بواعث إطلاق انتفاضة العام 1987.
وقد كانت دورة المركزي الحادية والثلاثون، مهمة تنظيمياً وسياسياً، هذا رغم أن عقد المجلس الوطني بات على درجة بالغة من الصعوبة، فقبل أوسلو وقيام السلطة، كانت كل الفصائل بالخارج، وكانت المجالس الوطنية تنعقد في العواصم العربية، من بيروت الى الجزائر، مروراً بعمان وغيرها، أما بعد ذلك، فقد صار جمع أعضاء المجلس الوطني بين مَن هم في الضفة وفي غزة والخارج على درجة بالغة من الصعوبة، خاصة وأن تعداد أعضاء المجلس الوطني يبلغ المئات، فأما على الصعيد التنظيمي، فقد استحق تجديد المجلس الرئاسي للمجلس الوطني، وهكذا ورغم أنه يمكن الإفتاء بشرعية انتخاب هيئة رئاسة المجلس الوطني من المركزي، الذي يعتبر وفق ميثاق المنظمة ولائحتها الداخلية في مكانة الوطني، ويقوم بدوره ويمارس صلاحياته الى أن ينعقد بدروه، من عدمها، إلا أنه تم في هذه الدورة، انتخاب هيئة رئاسية جديدة للمجلس الوطني عبر جلسة المركزي، وهذا جزء هام جدا من تفعيل (م ت ف)، ومن إطلاقها مجدداً، لتقوم بدورها القيادي، كذلك تم ملء الشواغر في اللجنة التنفيذية، حتى تستمر تلك اللجنة بالقيام بدور مطلوب جدا، لمواجهة استحقاق مرحلة قادمة، أهم عناوينها إعادة القضية الفلسطينية لتكون قضية العرب الأولى، والقضية المركزية لعموم المنطقة، وذلك بعد أن انشغل العرب ومعهم الشرق الأوسط، وربما العالم بقضايا أخرى في الإقليم.
وقد سعت إسرائيل منذ عقود، لشغل العرب والعالم بإشعال الحروب خارج فلسطين، بدءا من حرب العراق، ومن ثم الحروب داخل ليبيا وسورية واليمن، وها هي تسعى بعد أن أكلت تلك الحروب الأخضر العربي ويابسه، تسعى لاستمرار الانشغال بملفات أخرى، وهذا مبعث استمرارها في التحريض ضد إيران في ملفها النووي.
فهل يمكن القول بأن «المركزي» قد فتح الباب أمام هذا المسار، يمكن القول بأن الترتيبات الداخلية التي جرت من جهة، كذلك جملة القرارات السياسية من جهة أخرى، وأهمها بالطبع، تعليق الاعتراف بإسرائيل، وكذلك وقف التنسيق الأمني معها، ورفض مشروع السلام الاقتصادي، وتحديد مهمة القيادة بالانتقال من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة، كل ذلك يعتبر أمراً مفصلياً، في حال إطلاق مفاوضات سياسية مع الجانب الإسرائيلي، كذلك تحدد الإطار العام للكفاح الوطني، حتى في ظل عدم إطلاق المفاوضات، بما يعني إلزام القيادة السياسية، بمتابعة الكفاح السياسي ضد الاحتلال وضد عنصرية إسرائيل، وكل هذا ليس من نافل القول، بل من مضمونه وصلبه، لكن السؤال هنا، هو أن المجلس المركزي سبق له أن أعلن عن قرارات مشابهة، فما الذي تغير هذه المرة؟!
نقول، أولاً إنه في المرات السابقة، كانت قرارات المجلس بمثابة رسائل وتحذيرات، ومع استمرار عدم الاستجابة الإسرائيلية بالدرجة الأولى، لتلك القرارات، يجري الآن السير على طريق كسب المعركة السياسية بالنقاط، بعيداً عن الصخب، فلم يعد هناك تهديد بحل السلطة كما كان يجري الحديث او المطالبة من قبل بذلك، فالسلطة الوطنية أولاً وأخيراً منجز وطني، ومع استحالة رفع الراية البيضاء وممارسة العمل اليائس باللجوء الى العنف، بل بمتابعة طريق المقاومة الشعبية مع المقاومة السياسة وحتى الهجوم السياسي على المحافل الدولية، ليس السياسية فقط، بل والقانونية أيضاً، فإن تفعيل مؤسسات (م ت ف) وانفتاحها الذي ما زال ممكناً على ضم كل من «حماس» و«الجهاد»، والذي يعني في حال حدوثه، استقرار الشعبية في البيت الفلسطيني الجامع، يعني بأن فلسطين صارت أقوى من أي وقت مضى، وأن كفاحها من أجل الحرية والاستقلال سيؤتي أكله دون ريب أو شك.