تشير التقديرات الصادرة عن الطرفين الأمريكي والإيراني، إلى أن محادثات فيينا في مرحلتها الأخيرة، بل إن أحدهم قال إن إيران تفضل أن يجري التوقيع على الاتفاق المرتقب قبل احتفالات نيروز الشهر المقبل، وكما كنا أشرنا في مقالات سابقة، فإن التوتر على حدود أوكرانيا بين الناتو بقيادة أميركا وبين روسيا، كان أحد العوامل التي دفعت الجانب الأمريكي بالتحديد ليتقدم على طريق العودة لاتفاق العام 2015 المبرم مع إيران.
ورغم أنه من الصعب جدا توقع أن تندلع الحرب بين روسيا والناتو، على حدود أوكرانيا، بعد أن أظهرت روسيا أنها لم تعد تلك الدولة التي كانت عليها قبل عقود، إبان حكم كل من ميخائيل غورباتشوف، وبوريس يلتسين، وتصدت لمحاولة واشنطن الوصول العسكري إلى حدودها، بضم أوكرانيا لحلف الناتو، فنجحت حتى الآن، بعد أن تسولت كل من ألمانيا وفرنسا، لمنع اندلاع حرب ستكون أوروبا ميدانها، وفي حين نجحت روسيا، فقد حقق الرئيس الأوكراني المتحالف مع الغرب مكسبا سياسيا وكذلك عسكريا يتمثل باستقبال بلاده ألفي طن من العتاد والأسلحة، إضافة إلى بضعة مليارات من الدولارات، بما يعزز مكانته ضد المعارضة.
أما إسرائيل التي حرّضت واشنطن من قبل على التنصل من اتفاق 2015 مع إيران، ونجحت أيام دونالد ترامب في إعلان انسحابه من جانب واحد منه العام 2018، فقد فشلت هذه المرة في منع واشنطن أولا من التفاوض حول العودة لذلك الاتفاق، وثانيا في اشتراط تعديله، إذا كان لا بد من العودة إليه، لكنها مع ذلك - أي إسرائيل - لم تخرج من المولد بلا حمص، فهي قد توغلت كثيرا في الخليج العربي، وترجمت عمليا اتفاقيات أبراهام، مع كل من البحرين والإمارات والمغرب، بشكل عملي، فاق كثيرا ما حدث بينها وبين كل من مصر والأردن، فقد عقدت اتفاقيات أمنية مع كل من البحرين والمغرب، وأنجزت شراكات اقتصادية مع الإمارات، أي أنها حيث فشلت في زج أميركا في أتون حرب مع إيران، كما سبق لها أن فعلت قبل ثلاثة عقود مع عراق صدام حسين، إلا أنها بذلك أبقت على الباب مفتوحا من خلال وجودها الأمني والاستخباراتي وحتى العسكري المباشر في مواجهة إيران في البحرين والإمارات، مع الحفاظ على الدعم العسكري الأمريكي في أي حرب قادمة، وقد ظهر ذلك من خلال مشاركتها في المناورة العسكرية الضخمة التي قادها الأسطول البحري الأمريكي في البحر الأحمر وبحر العرب.
والأهم هو أنها أغلقت الأبواب أمام اهتمام أميركي حقيقي بملف احتلالها لأرض دولة فلسطين، وليس أدل على ذلك من مواصلة هجومها متعدد الأطراف والأشكال، في الشيخ جراح وعموم القدس، وفي كل مدن وقرى الضفة الغربية، عبر مواصلة المستوطنين اعتداءاتهم الوحشية ضد الفلسطينيين، وهي بذلك احتوت وقع الصدمة الأولى الناجمة عن تقرير منظمة العفو الدولية، فيما حقق الجانب الفلسطيني منجزا مهما تمثل في تعليق قرار المفوض الإفريقي بمنح إسرائيل العضوية المراقبة في الاتحاد الإفريقي، كذلك نجح في عقد دورة المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، رغم اعتراض ومقاطعة المعارضة التي اقتصرت على كل من الجبهة الشعبية وحماس والجهاد، بما يعني انحسارها في هذا المثلث فقط، كما كان الحال قبل عقود، فيما سمي بالتحالف المناوئ لأوسلو.
لكن ورغم أن الجزائر الشقيقة التي قادت معركة التصدي لقرار المفوض الإفريقي في أديس أبابا، قد نجحت في مسعاها ذاك، إلا أنها أخفقت على ما يبدو في تحقيق إنهاء الانقسام الداخلي، فلم يتجاوز جهدها على هذا الصعيد حتى الآن، الاستماع للوفود الفلسطينية التي وصلت للجزائر فعلا في وقت سابق، ولم يتم بعد الانتقال للمرحلة التالية وهي عقد المؤتمر الشامل، وقد أكدت هذا التوقع دعوة الأخ حسين الشيخ، إلى الحوار الوطني والتي رغم أنه لا يبدو أن صداها سيصل إلى حوار وطني فعلي، إلا أن إعلانها يظهر أن البشرى القادمة من الجزائر العاصمة، لم تظهر بعد، أو حتى أنها لن تظهر أبدا.
ربما كان من سوء حظ مبادرة الجزائر أنها جرت في الوقت الذي عقدت فيه الدورة الحادية والثلاثون للمجلس المركزي، والتي ما كان يمكن تعطيلها ليس للأسباب السياسية على أهميتها وحسب، ولكن للأسباب التنظيمية الخاصة بملء الشواغر في المناصب القيادية، إن كانت تلك الخاصة بهيئة رئاسة المجلس الوطني، أو شواغر اللجنة التنفيذية، أما ما يؤكد تبدد الآمال حول إنهاء الانقسام في هذه الفترة، فهو تلاشي المحاولات المصرية بالخصوص، وتجدد المحاولة الروسية في هذا الاتجاه، وهي محاولة على أي حال لإظهار الندية الروسية في مقارعة أميركا على كل الصعد.
"لو كان فيها زيت لضوت"، هذا هو حال الحديث عن إنهاء الانقسام، رغم تحذير القيادة الفلسطينية، من أن العام الحالي ربما يكون هو العام الأخير، من أجل منع انهيار الحالة القائمة في الأرض الفلسطينية، وبالتالي توقع اندلاع مواجهة شاملة فلسطينية/إسرائيلية، تتطلب في حال وقوعها وحدة داخلية فلسطينية كاملة، للفوز بنتيجتها، لكن الحسابات الداخلية ما زالت كما هي، وما زال الفريقان الفلسطينيان على حالهما من التشبث بمواقفهما، دون تراجع رغم كل ما حدث.
وإذا كان فتح ملف الشيخ جراح مجددا، قد أظهر خلافا داخل إسرائيل بين الحكومة والمعارضة، حيث أعلن كل من نفتالي بينيت رئيس الحكومة ووزير الدفاع بيني غانتس، رفضهما لما فعله المتطرف عضو الكنيست ايتمار بن غفير، وذلك خشية أن يتسبب ذلك في إشعال جبهة غزة، بعد كل ما حدث من إخفاق حول التقدم بملفاتها، فإن إسرائيل التي تسعى إلى الاستمرار في التكتيك الذي اتبعته منذ إقامتها وهو نقل الحرب بعيدا عن ميدانها، فإنها مع اندلاع التوتر على حدود أوكرانيا، والتي سعى لها البيت الأبيض كبديل عن الحرب مع إيران، منّت النفس بالخروج من مصائب القوم بفوائد خاصة بها.
وقد كانت تستعد لبيع أوكرانيا القبة الحديدية، لكن خوفها من قطع حبل الود مع روسيا منعها من ذلك، لكنها ما زالت تمني النفس بتدفق مئات آلاف المهاجرين اليهود أو "نصف اليهود" من أوكرانيا إليها، كما حدث عند تفكك الاتحاد السوفييتي وتدفق نحو مليوني مهاجر إليها من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وكما هو معروف ما زالت إسرائيل تجد في الهجرة إليها حبل وريد أو طوق نجاة.
المهم من كل ذلك، هو كيف يمكن تصور أن تنجو غزة من الحصار، وأن تتحرر الضفة الغربية من الاحتلال في ظل انقسام داخلي ما زال يعتبر هو العدو الأول للشعب الفلسطيني؟!