- مدفعية الاحتلال تقصف محيط دوار أبو شريعة في حي الصبرة جنوب مدينة غزة
هذا السؤال الغاضب والحالم أيضاً ينطلق مع كل أزمة محاولاً محاكمة واقع عربي غاية في الخذلان لأجيال تفتح عيونها على ما يشبه اليتم والمهانة، تتجرعها هذه الأمة مع كل حركة كونية عسكرية أو اقتصادية أو علمية عندما يتضح الفارق الهائل بين حركة العالم الدائمة وتجمد الحالة العربية التي تبدو كمن فقدت ذاكرتها وتجلس على طرف رصيف تتابع حركة البشر باندهاشة ساذجة.
السؤال الحالم يبدو إلى حد كبير منفصلاً عن الواقع الذي تبدو فيه الأمة العربية مجردة من إمكانياتها، أو ليست لديها تلك القدرة على استيعاب ما لديها من إمكانيات واستغلالها، أو أنها تسلم بقدرها كدول أصبحت في ذيل العالم في كل شيء.
ومع كل صراع دولي يقفز السؤال الدائم أين العرب، أين دور العرب؟، وكأن المسألة قرار يمكن أن يتخذ في لحظة تثاؤب.
ويتوزع السؤال إلى أسئلة تتواضع مع الزمن من أين الجيوش العربية وصولاً إلى أين الموقف العربي، في حالة تطويع وتطبيع وتسليم بالمكانة الهامشية للتحولات الكونية التي لا تتوقف.
مع كل أزمة ننكشف أكثر ومع كل حركة عالمية، نسقط عرايا من حاضرنا الذي يصفعنا ويضعنا أمام مرآة الحقيقة التي تعيد تأكيد شدة هامشية وضعنا في كل شيء.
فقد كشفت أزمة «كورونا» التي اجتاحت البشرية منذ عامين علاقة العرب بالعلم وبالعلوم وطرحت ما يكفي من التساؤلات حول جدوى الجامعات والمعاهد العلمية، ومنها اتسعت الأسئلة حول دور العرب في الاكتشافات والاختراعات، أما علم الفضاء فهو أمر بعيد، ولم يعد يسأل أحد السؤال القديم عن الجيوش العربية التي لم تكن تصلح للدفاع عن الأوطان وأن استخدامها كان داخلياً للحفاظ على النظم أو خارجياً ضد العربي الشقيق في أحسن أو أسوأ أحوالها.
من يسأل عن دور العرب في الحرب وبعد الحرب ربما لم يقرأ التاريخ بعناية. فالحاضر هو امتداد للماضي إذ لم يكن للعرب أي دور في حروب عالمية سابقة ولم يكن موقعهم أكثر من أداة استخدامية في حروب الدول الكبرى التي تعاملت معهم كجزء من ممتلكاتها في أغلب الأحيان، ففي الحرب العالمية الأولى لم تتعامل معهم الدول الكبرى سوى كتركة عثمانية تبحث عمن يرثها لتتم إعادة توزيعها بين فرنسا وبريطانيا، وفي الحرب العالمية الثانية لم يكونوا أكثر من جغرافيا دارت على مساحتها معارك الكبار ليتم تسليمهم بعدها لوريث آخر.
ولنترك التاريخ جانباً، فقد تنفض أمم غبار الزمن في لحظة ما وتنهض، ولنترك بارقة الأمل الوحيدة التي ظهرت فجأة في سماء العرب بالمشروع الوحدوي الذي كان سيضع الأمة على خارطة العالم بفكرة وتجربة جمال عبد الناصر الذي تآمر عليه جزء من العرب وتخلى عنه آخرون، وعن دورنا في خيانة المشروع والتآمر عليه وعن التقدير بأن العرب لن يشكلوا قوة حقيقية يوماً بالنظر لطبيعة المؤامرات التي لا تتوقف ضد بعضهم، ورفض أي منهم أن تتقدم دولة على أخرى كأنها على حسابها.
ولنترك سؤال دور العرب ومكانتهم نحو سؤال أكثر قلقاً على نحو خطير.
ماذا لو طال أمد الحرب؟ ماذا سيحدث للعرب وهل يستطيعون تأمين غذائهم؟ تصوروا كم يعرينا السؤال ويكشف هشاشتنا؟ ومجرد السؤال يعني أن هذا العالم العربي الممتد على تلك المساحة بمناخ مثالي للزراعة وللأنهار لا يستطيع لسوء إدارة موارده تأمين غذائه.
وأزمة هذه الحرب أنها تقع بين دولتين هما الأكثر إنتاجاً للزيت والقمح والشعير والذرة.
فأوكرانيا التي يتجاوز سكانها الأربعين مليوناً قادرة على إطعام 600 مليون شخص في العالم، فيما العالم العربي لا يستطيع إطعام نفسه وهي مفارقة محزنة تماماً.
أوكرانيا في المركز الأول من زيت عباد الشمس والثاني عالمياً لإنتاج الشعير والثالث في إنتاج الذرة، أما روسيا فهي الأولى عالمياً في إنتاج القمح وعلى هاتين الدولتين يعتمد العالم العربي الفقير على الدقيق.
روسيا أوقفت التصدير للاحتفاظ بإنتاجها ومخزونها لمعركة قد تطول، أما أوكرانيا فمن الطبيعي وسط الحرب أن تتوقف الزراعة والحصاد والتوريدات.
فالموانئ لن تتمكن من الاستمرار بعملها وسط المجهود الحربي، وأكثر الدول العربية لديها مخزون من القمح لا يزيد على ثلاثة أشهر معظمه مستورد من هاتين الدولتين.
تلك ربما أخطر انعكاسات الحرب على العرب. ففي السياسة لا أحد يهتم بمواقفهم وفي موازين القوى والتحالفات لا يشكلون وزناً ولا أحد يأخذهم بالاعتبار لكن خطر المجاعة الذي أعلنت الأمم المتحدة أنه وصل بتأثيراته إلى 282 مليوناً وسيصل إلى 400 مليون في حال استمرار الحرب يعني دخول عدة شعوب عربية دائرة الخطر.
لماذا وكيف لا يستطيع العالم العربي توفير أمنه الغذائي، أليست هذه كارثة؟
وكيف نتجت هذه الكارثة؟ وماذا لو عرفنا أن الزراعة تم اكتشافها في الهلال الخصيب في المنطقة العربية حيث زرع أول القمح وأول الحبوب؟ إنه الفساد وسوء الإدارة وتسليم الهواة وانقلاب الأولويات بدل تأمين المواطن والوطن إلى تأمين النظم الحاكمة والقبائل التي تم تسخير كل شيء لها من جيوش وأجهزة أمن أخذت كل الإمكانيات من أجل متابعة المعارضة والتلصص على الخصوم وأصدقاء الخصوم وصراعات داخلية لم تتوقف منذ فجر التاريخ.
مساحة أوكرانيا القادرة على إطعام الوطن العربي تبلغ ثلث مساحة السودان وأقل من ثلث مساحة الجزائر أو ثلث مساحة السعودية، وفي الوطن العربي أكثر من 350 مليوناً ينتظرون السفن القادمة من روسيا وجارتها. كيف يمكن فهم هذا المنطق وكيف يمكن تفسيره؟
لذا يبدو السؤال عن حال العرب وعن دور العرب ومكانة العرب كسؤال لا يقرأ لحظة العرب الحزينة، فالدور تؤهله إمكانيات عسكرية واقتصادية وعلمية والآن تكنولوجية.
وأصر العرب على أن يكونوا خارج كل هذا، والآن يبرز سؤال الأمن الغذائي لنعود ونردد ما قاله جبران خليل جبران: «ويل لأمة تأكل مما لا تزرع» أو كما أجاب الشيخ الشعراوي عندما سأله أحد مريديه متى تصبح الأمة مستقلة في قرارها فنظر نظرة المشفق وقال: «يا بني من لا يأكل من فأسه لا ينطق من رأسه» ثم يسألون عن دور العرب...!