حسب اتفاقية جنيف، يعتبر حجز الجثامين جريمة إخفاء قسري. فالجثمان، في زمن الحرب، يجب دفنه في مكان معروف وتحت اسم حقيقي بانتظار نقله إلى ذويه. وحسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية (البند السابع) تصنف جريمة الحط من قيمة الجثمان جريمة حرب تحيل فاعلها للمحاكمة. بل ويمكن تصنيفها على أنها جريمة حرب لأن القانون الدولي ينص على احترام قتلى الحروب. فكيف عندما يكون القتيل مدنيا توفي في السجن تحت التعذيب أو الإهمال الطبي!
وحدها، من بين جميع دول العالم، «تتفوق» دولة الكيان الصهيوني في تنكيلها بالأحياء والأموات على حد سواء، حيث تنزل بجثث الشهداء الفلسطينيين عقوبات لم تجرؤ على ارتكابها أكثر أنظمة الاستعمار عنصرية وهمجية. فما زالت هذه الدولة العنصرية تحتجز جثامين مئات الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين استشهدوا في مراحل مختلفة من النضال الوطني الفلسطيني، بالإضافة إلى أسرى، قتلوا تحت التعذيب، ودفنوا في مقابر سرية، تعرف باسم «مقابر الأرقام»، موزعة، بحسب اعترافات إسرائيلية، على أربعة مواقع، تُعد مناطق عسكرية مغلقة، ممنوع دخولها، إضافة إلى احتجاز عدد غير معروف من جثامين الشهداء في ثلاجات في معسكرات ومستشفيات تابعة لجيش الاحتلال.
مدافن سرية محاطة بالحجارة، من دون شواهد، حيث تُثبّت على أعلى القبر لوحة معدنية تحمل رقماً معيناً، ولهذا سميت بـ "مقابر الأرقام»، لأنها تتخذ من الأرقام بديلاً عن أسماء الشهداء. فلكل رقم ملف خاص، تحتفظ به الجهات الأمنية الإسرائيلية المسؤولة، يشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد سواء كان فلسطينيا أم عربيا. وبحسب مؤسسات حقوقية وإنسانية عدة تعود «مقابر الأرقام» إلى بداية تأسيس دولة الكيان الصهيوني، لكنها تكرست منذ انطلاق العمل الفلسطيني المسلح إثر هزيمة حزيران. وتمتنع سلطات الاحتلال عن إعطاء أي معلومات حول عدد جثامين الشهداء المحتجزة، أو أماكن احتجازها، وترفض إصدار شهادات وفاة بأسماء الشهداء. غير أن الصحافة الإسرائيلية، تؤكد أنها مقابر تفتقد إلى الحد الأدنى من المواصفات التي تصلح لدفن الأموات، إذ يجري في أغلبية الأحيان طمر الشهيد بالرمال والطين، من دون وضع عازل إسمنتي. بل، أحياناً، يدفن أكثر من شهيد في الحفرة نفسها، وربما تضم الحفر شهداء من الرجال والنساء. وبحسب بعض المعلومات المتداولة في الصحافة الإسرائيلية، تحتجز دولة الكيان الصهيوني الآن بين 82 إلى 105 جثث في ثلاجات، وبين 254 إلى 266 في «مقابر الأرقام»، بينها جثث عشرة أطفال وسبعة أسرى توفوا في المعتقلات.
في المؤتمر السابع للتحالف الأوروبي لمناصرة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، الذي عقد مؤتمره السابع في مالمو بالسويد يومي 18 و19 حزيران الماضي، أوصى المؤتمرون بتدويل جريمة احتجاز الجثامين، وشكل لجنة قانونية مختصة لهذا الموضوع حتى لا تصبح قضية الجثامين قضية نائمة، مثلها مثل جدار الفصل العنصري. بالمقابل، على السلطة الفلسطينية التقدم بملف كامل حول الموضوع لمحكمة الجنايات الدولية باعتبارها جريمة حرب، كما عليها التقدم لمحكمة العدل الدولية لاستصدار رأي قانوني في هذه الجريمة. وهذا ما يتوجب فعله الآن، الآن، وليس غدا.