- مراسلنا: 3 شهداء وعدة مصابين في قصف إسرائيلي على خربة العدس شمالي مدينة رفح
تمكن حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا من الإطاحة برئيس الحزب بوريس جونسون، بعد تورطه في سلسلة متصلة من الفضائح والفساد وتجاوز القانون، واتهامه بسوء إدارة البلاد والتسبب بأسوأ أزماتها الاقتصادية التي لم تشهد لها مثيل منذ ما يقارب أربعة عقود.
لم تكن الحملة البريطانية ضد جونسون رغبة حزب المحافظين وحدهم، بل شاركتهم فيها المنظمات النقابية وحزب العمال المعارض، ولعبت وسائل الإعلام على اختلاف توجهاتها بمن فيها تلك المحسوبة على حزب المحافظين دوراً في الضغط على جونسون إلى أن أجبر على التنحي، بعد نجاته قبل أسابيع من محاولة لحجب الثقة عن حكومته. لكنه رغم تمسكه الشديد بالحكم، رحل كما يرحل أي سياسي فاسد في هذا العالم المكتظ بالتجارب السياسية وطرائق الحكم.
لم تكن الاحتجاجات على وجود جونسون مدفوعة برغبات شخصية، لأن الرجل لا يحسن تصفيف شعره المتناثر، بل لأن طريقة حكمه للبلاد فوضوية وحافلة بالمقامرات، واعتبرها معارضوه خطراً على حزبه والبلاد، وهذا أحد أسباب إجماع أغلبية البريطانيين على اختلاف توجهاتهم بضرورة رحيله.
في مقال سابق، كنت قد كتبت أن العالم قيد التغيير، ليس بفعل الصراع الروسي مع الغرب وحده رغم أن تداعيات هذا الصراع كانت سبباً مركزياً، بل لأن التغيير حتمي في كل المجتمعات، لكن وتيرته تتفاوت من مجتمع لآخر، وبحسب التجارب السياسية الخاصة في كل بلد ويعتمد على فعالية الأحزاب السياسية والنقابات العمالية واداء وسائل الاعلام والتشريعات الناظمة للعلاقات السياسية، التي تحكم الجميع.
التغيرات السياسية لن تكون من نصيب بريطانيا وحدها، فقادم الأيام يحمل على جناحيه الكثير من التحولات في بلدان العالم، مخاض جديد سيطال معظم البلدان، بمن فيها فلسطين، التي يرأس سلطتها ديكتاتور يعتقد أنه محصّن بتعويذات إسرائيلية- أمريكية، تمنحه فرص البقاء في الحكم حتى الموت، وتجعل ذراعه الأمنية قادرة على البطش في كل وقت، ليواصل مصادرة الحق العام في الانتخابات والاحتجاج والمساءلة والاعتراض.
الفلسطينيون أمام تجربة طازجة في التغيير السياسية السلمي، إن لم تسعفهم تجارب كونية سابقة في التغيير، فالتجربة البريطانية للإطاحة بجونسون خاضها أعضاء حزبه، وتكاثفت معهم جهود المعارضة، لأن الرجل أصبح يمثل خطورة على الحزب والبلاد، وكان رحيله مصلحة للحزب الذي يقوده، حيث سيجنبه خسائر إضافية بعد تلك التي مني بها خلال الانتخابات الجزئية الشهر الماضي. في حالة تشبه إلى حدّ ما الخسائر الانتخابية التي منيت بها حركة فتح في الانتخابات الطلابية والنقابية، ودفعت قيادات الأقاليم للاستقالات الجماعية في الضفة الغربية، رغم المظهرية الخادعة التي انطوت عليها تلك الاستقالات واختلاف أغراضها.
في فلسطين يوجد ديكتاتور أخطر من جونسون على حزبه وبلاده، يقامر بمستقبل شعب ويدفعه نحو اليأس والقبول بالاحتلال، ويجاهر بفعل الفساد والفضائح السياسية وتنصيب الفاسدين، يبطش بأبناء حركته كما يبطش بالنشطاء المعارضين، ألغى كل مؤسسات نظام الحكم المكتسبة لصالح سلطته، ويهدد الجميع بصلف منقطع النظير، إلى أن تحوّل هو والاتجاه الذي يسير خلفه إلى أقلية معزولة وطنياً وسياسياً، تسقط في كل مكان، وتعمل تحت حراسة أجهزة الأمن ورضى الاحتلال ووصايا واشنطن.
الفلسطينيون أولى بالتغيير من غيرهم على امتداد هذا العالم، بوصفهم شعب تحت الاحتلال، ومهمة الاستقلال تحتاج قيادة وطنية نظيفة كي تستكملها، وحاجة حركة فتح للتغيير أكثر من حاجة حزب المحافظين في بريطانيا، باعتبارها حركة تحرر وطني لم تنجز أهدافها بعد، ويقف على رأسها ديكتاتور صغير يعيق حركتها ويهدد بقائها.
أتفهم دعوات البعض لوحدة حركة فتح المدفوعة بالحرص على التاريخ، كما أدرك أن بعض تلك الدعوات هدفها تجنب "شرّ القتال"، مع ذلك فإن تلك النداءات الوحدوية لن تنقذ الحركة مما هي غارقة فيه، ولا تسهم في التغيير والبحث عن المستقبل، فالوحدة مع الفاسدين واللصوص وسماسرة الأمن لا تنتج حركة سياسية تسعى للريادة كما هو سعيها للاستقلال الوطني.
العالم قيد التغيير، والفلسطيني يمكنه أن ينتزع موقع أفضل مما هو فيه الآن، ويمكنه إيجاد ممر نحو المستقبل شرط مواكبة التحولات الكونية وإسقاط الرهان على الولايات المتحدة، وفريق المراهنين.