كما كان متوقعاً حصلت إسرائيل على كل ما تريده من بايدن أثناء زيارته لها في محطته الأولى من جولته في المنطقة، حيث أكد الرئيس الأمريكي على التزام الولايات المتحدة الراسخ بأمن إسرائيل، منوهاً لمذكرات التفاهم غير المسبوقة التي وقعتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة على مدى العقود القليلة الماضية بشأن المساعدات الأمنية، وأبدى التزامه الكامل بتنفيذ بنود مذكرة التفاهم التاريخية الحالية البالغة 38 مليار دولار، وما كان لبايدن أن يغادر إسرائيل دون أن يترك فيها تفاهماً جديداً يقترن به، حيث طمأن إسرائيل بتعهد حمل اسم إعلان القدس "بما له من دلالة" بعدم السماح لإيران أبداً بامتلاك السلاح النووي وأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة، وهو بذلك يعفي إسرائيل من اللجوء للقوة لضرب المفاعل النووي الإيراني "كما فعلت سابقاً في العراق" كون الولايات المتحدة هي ذاتها من سيقوم بالمهمة إن تطلب الأمر ذلك، وقبل أن تقلع طائرة بايدن من إسرائيل متجهة مباشرة إلى السعودية أعلنت السعودية فتح مجالها الجوي أمام جميع الخطوط الجوية بما فيها الإسرائيلية.
بالمقابل اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي بالرئيس الفلسطيني اتسم شكلاً ومضموناً بلقاء المجاملة، ومن الواضح أن المهمة التي جاء بها بايدن إلى المنطقة تطلبت لقاءاً عابراً على هذا النحو، وجاء البيان الأمريكي عقب اللقاء ليعكس حقيقة أن المسار السياسي لم يكن حاضراً باستثناء تأكيد بايدن على حل الدولتين والتي جاءت على شكل ديباجة لا بد منها، وغرق البيان في تفاصيل وصفها بالمبادرات التي حملها بايدن للشعب الفلسطيني والتي تقتصر على المساعدات الاقتصادية واللافت فيها أن أي منها لا يمر عبر مؤسسات السلطة الفلسطينية، سواء ما يتعلق منها بالمساعدات الأمريكية للمستشفيات في القدس ودعم الأونروا وتقديم مساعدات غذائية من خلال برنامج الغذاء العالمي، والبشرى التي زفها بموافقة إسرائيل على زيادة ساعات العمل في معبر الكرامة وموافقتها من حيث المبدأ على الانتقال للجيل الرابع للاتصالات الخلوية في الضفة الغربية فيما غزة عليها أن تبقى على حالها أسيرة الجيل الثاني، وبالتالي يمكن القول أن فلسطين لم تحصل على شيء مما تريده.
ما الذي علينا فعله؟، وما الذي باستطاعتنا عمله وسط رياح تجري في المنطقة بما لا تشتهي سفينة القضية الفلسطينية؟، لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن نجلس ونندب حظنا المتعثر مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ومن العبث السياسي إلقاء اللوم على العرب وكفي الله المؤمنين القتال، ومن السذاجة أن نركن للقول بأن أي إعادة تموضع في المنطقة لا يبنى على حل عادل للقضية الفلسطينية مصيره الفشل، ولسنا بحاجة لفهلوة جديدة تبني سذاجتها على اعتبار أننا مركز هذا العالم والجميع مطالب أن يدور في فلكنا ويحظى برضانا، وليس من المفيد لنا أن نجمل الواقع الذي وصلنا إليه، وليس من الحكمة في شيء أن نحتمي بقول المتنبي:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه .... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وكأننا نتفق معه في تحميل المسؤولية للرياح ونعفي ربان السفينة وأنفسنا من المسؤولية التي أوصلت السفينة إلى ما هي عليه، من قال أن الانقسام الفلسطيني لم يخرق السفينة ألف مرة ومرة؟، ومن قال أننا لم نجنح بسفينتنا بعيداً عن المياه العربية؟، ومن قال أن بريق السلطة وامتيازاتها أعمى بصائر الكثير من قياداتنا؟.
إن أردنا للسفينة الفلسطينية أن تنجو وننجو معها لا بد وأن نبدأ على وجه السرعة بإنهاء الانقسام
وأن نتوافق على ضبط الشراع نحو فلسطين ولا شيء غيرها، وأن نستعيد ثقتنا بأنفسنا وقدراتنا التي بعثرها الانقسام وتداعياته، وأن نشرع بترميم علاقاتنا مع الدول العربية على قاعدة أن فلسطين تجمع ولا تفرق، وأن الأمة العربية عمقنا الاستراتيجي الذي لا غنى لنا عنه، حينها يمكن لنا أن نجهر بقول الشاعر:
تجري الرياح كما تجري سفينتنا ..... نحن الرياح ونحن البحر والسفن