لم يكن عبثا ولا تزيدا خروج رئيس الوزراء الأسبق توني بلير بخلاصة مهمة تقول " أن العالم مقبل على تغيرات جيوسياسية دولية، لافتا إلى أن عصر الهيمنة الغربية يقترب من نهايته ويسير نحو التعددية القطبية " وكان يشير الى ان السباق مع المارد الصيني. ويستدل على ذلك بقمة العشرين وعدم الاتفاق على بيان ختامي مشترك باعتباره مفصلا ومؤشرا على بداية تغير في البيئة الدولية والهيمنة الغربية على النظام العالمي. لكن المراقب لنتائج قمة جدة والتي ضمت دولا حسبت تاريخيا على الحلف الأمريكي الغربي سيصل الى ذات خلاصة توني بلير والعديد من سياسيي العالم، ان العالم تغير ودول الخليج وبقية دول الاعتدال العربي ليست كما تركتها الإدارات الامريكية قبل عقد من الزمن. اكتشف الخليج ان لا مظلة حماية أمريكية ولا تسليح متطورا، ولا احترام لخصوصيات سياسية وثقافية. وإذا كان للمرء ان يختصر نتائج القمة، فلا نجد غير عبارة " ان عصر الاملاءات الامريكية قد ولى"، وان على الولايات المتحدة ان تحترم سياقاتها المنطقة وتحولاتها. فالضيف الأمريكي المنكر لتحولات الواقع، جاء بتصورات قديمة وغير محدثة عن المنطقة والجيل الجديد من الزعماء. لم يجد بايدن في القمة من يؤيد فكرة حلف عسكري إسرائيلي عربي – ناتو إقليمي – لمواجهة إيران. بل وامتناع كل الزعماء العرب عن اعتبار إيران عدوا رئيسيا، على العكس تماما توافقت الكلمات على اعتبارها جارا، مدعو للاندماج في اطار منظومة إقليمية للتعاون والتنمية والسلام، بل وابعد من ذلك تقرر دولة الامارات العربية عشية القمة إعادة سفيرها لطهران، ولم يجد رئيسها محمد بن زايد من داع لكلمة في حضرة بايدن واجنداته الكارثية، وان كلمة شقيقه محمد بين سلمان تمثله.
لم يخطئ زعماء العرب في كلماتهم حتى في القاموس اللغوي على اعتبار حرب روسيا في أوكرانيا عدوانا او غزوا ينبغي ادانته. وحافظ قادة قمة جدة العرب على مسطرة واحدة تقول باستقلالية علاقاتهم التجارية والاقتصادية مع دول العالم، في إشارة مضمرة الى الصين وروسيا.
وفي تقديري أيضا ان لقمة جدة ما بعدها، بعد إجماع عربي على مركزية القضية الفلسطينية والمبادرة العربية في قمة عام الفين، وان تجاهل الحقوق الفلسطينية هو أصل كل مشاكل المنطقة من فوضى وحروب وإرهاب، وقول الشيخ تميم حاكم قطر ان التذرع بالراي العام الداخلي في إسرائيل كسبب لتأجيل حلول قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيل غير مقبول، "لان لدينا راي عام عربي داخلي أيضا". الكرة الان في ملعب الرسمية الفلسطينية، بان تبني على قمة جدة، وتعيد الحياة لحركتها الدبلوماسية والسياسية تجاه العواصم العربية الأساسية وبخاصة دول الخليج.
لا نحتاج الى الكثير من الجهد لاستخلاص اننا على اعتاب تحولات في منظومة العلاقات الدولية وبداية نهاية للقطبية الواحدة، ليس فقط من مالات الحرب الأوكرانية وقمة شنغهاي والبريكس وقمة العشرين بل ونضيف لها قمة جدة العربية الامريكية .