النخبة المثقفة هي أول من تشعل فكرة الثورة (تشعل فكرة الثورة وليست تشعل الثورة). وهي ذاتها أول من تنهزم وتتراجع وتهرب، وهي تجيد التبريرات دوما لأي انسحاب.
أهالي الشهداء وأسر الأسرى والضحايا والمهجرين وأصحاب المنازل المهدمة والذين قدّموا حياتهم من أجل القضية تراهم آخر من يتراجع ويبقون هم القابضون على الجمر حتى في أصعب اللحظات.
في السنوات الأخيرة، بدأنا كصحفيين نلاحظ أن الجيل الجديد بات أقل تمسكًا بمفهوم السلطة أو الدولة. وقد تحولت الفكرة إلى عبء ثقيل لا فائدة منه. والأسباب التي يمكن أن تساعدنا في فهم الأمر عديدة أهمها الانقسام الذي صار مؤبدًا ومقرفًا. والإحباط السياسي المستمر. و"الشعور" بالفساد في جميع المعاملات وأوجه الحياة في ظل غياب عدالة اجتماعية وعدالة توزيع. وقتل إسرائيل لجميع فرص إقامة دولة وسيادة من خلال تكاثر أسراب المستوطنات ومن خلال الاقتحامات المستمرة والاعتقالات وتحجيم أجهزة الأمن الفلسطينية واعتقال عناصرها وضباطها وتعمّد إهانتها خلال الاجتياحات والوصول إلى باب المقار الأمنية والوزارات ما أفقد المواطن الإحساس بمفهوم السيادة.
إلى جانب ذلك هناك خطة منظمة ومحكمة لتدخل الإدارة المدنية للاحتلال في حياة المواطن، وتدخل منسق الاحتلال في تصاريح العلاج والعمل والتنقل ولقمة العيش. ما خلق انفصامًا أمنيًا وسياسيًا لدى الموطن الذي يسير في نفس الشارع وتوقفه دوريتا شرطة مختلفتين (في نفس الشارع تجد دورية شرطة فلسطينية – وأخرى إسرائيلية – وأحيانًا كثيرة تجد مسلحين مقاتلين فلسطينيين).
يضاف إلى هذا، تفشي الانقسام في النقابات والمؤسسات ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى داخل دور العبادة والمدارس والجامعات، وتردي الأخلاق السياسة، وانحطاط الذباب الإلكتروني، وفقدان السيطرة، وتبرير التراجع أمام العدو، والهجوم المتوحش على الشريك السياسي. كلها سلوكيات جعلت المواطن يفقد الثقة بشعارات الأحزاب السياسية، والتي يتمتع قادتها وأولادهم وعوائلهم بامتيازات خاصة.
والحق يقال إن تراجع الانتماء لمفهوم السلطة او الدولة في غزة أو الضفة. لا يقف هنا فقط، وإنما يتزامن معه نهوض شعور وطني قومي كبير نحو مفهوم الوطن.
يتراجع إحساس المواطن الفلسطيني بشعار السلطة. ولكن يتقدم إحساسه بالوطن ومفهوم الانتماء للوطن. وهذه إشارة إيجابية يبنى عليها الكثير. وتحتاج إلى كلام كثير لأنها مفتاح فهم تفكير شبابنا بالمستقبل القريب وفي أي انتخابات مقبلة.