قبل وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى بيت لحم يوم 15 يوليو/تموز 2022، أصدر الرئيس محمود عباس وبعض فريقه سلسلة تصريحات أكدت أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار كما كان، وأن "حالة الغضب" من الوضع القائم اقتربت من حالة الانفجار، في ظل إدارة دولة الأبرتهايد الظهر لكل شيء يتعلق بالمسار السياسي.
ولكن، وبعد لقاء الدقائق الـ 45، منها شرح بايدن للرئيس عباس "الاحتباس الحراري العالمي، التحولات السكانية بما فيها أزمات اللاجئين من سورية، وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، التهديدات للديمقراطية وكيف أن الأنظمة الاستبدادية مثل الصين والديمقراطيات تحت التهديد، الحرب في أوروبا وكيف تؤثر على الطاقة وأزمة الغذاء".
قضايا كونية ربما احتاجت ما يقارب إلى 15 دقيقة، وبعد الترحيب والتهليل الثنائي، يبقى للقضية الفلسطينية والصراع مع الكيان أقل من 10 دقائق، ما يشير إلى أنها عمليًا كانت قضية ثانوية في سياق رحلة سياحية إلى بيت لحم، لا صلة لها بالبحث عن رؤية تتعلق بنهاية الصراع.
ليت بايدن اكتفى بأنه لم يقدم موقفًا- رؤية خاصة كما أسلافه الأمريكان- ، فهو ذهب إلى حد السخرية المطلقة، في سابقة فريدة من مطالب الفلسطينيين التي قرأها الرئيس عباس، بأن "هذه أشياء تحتاج إلى السيد المسيح، صانع المعجزات كي يحققها".
رد يغلق الباب كليا أمام أي مجال لبحث مسار الحل السياسي ووضع نهاية للصراع نحو إقامة دولة فلسطين فوق بقايا أرض فلسطين في الضفة والقدس والقطاع، مقابله تحدثت عن كيفية العمل على "تحسين شروط الحياة" للفلسطينيين، وخاصة في البعد الاقتصادي وشروط الحركة خلال "الزمن الاحتلالي".
بايدن، الذي أعلن بوضوح أنه غير قادر على فتح قنصلية خاصة في القدس الشرقية، أكملها بأنه لا يستطيع وقف الاستيطان، وكل ما قاله، أنه طلب من حكومة دولة الكيان ألا تقوم بذلك، فتحول الأمر من ضرورة وقف ذلك البعد التدميري لدولة فلسطين، إلى "تمني محب" لا أكثر.
بايدن عمليًا، أعلن رسميًا ومن بيت لحم، انتهاء المسار التفاوضي – السلامي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ووضع الأمر في سياق محدد لا يحتاج لتأويل وتفسير، إنه "لا يعتقد الآن بوجود فرصة لنجاح هذا الأمر، على الرغم من أن هذا هو هدفنا النهائي، فإنه علينا الآن القيام بخطوات معينة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن أيضا إقليمياً لجعل فرص النجاح أكبر، للسماح للفلسطينيين والإسرائيليين باتخاذ الخيارات الصعبة".
بايدن وإدارته ترى الأمر بأنه لن يخرج عن سياق "تحسين شروط حياة الفلسطينيين في انتظار أجواء سياسية تسمح بإطلاق عملية سياسية ذات مغزى" بعدما تتوفر "الظروف المناسبة"، أي انتظار إلى ما لا نهاية زمنية.
وكي يحاصر سريعًا أي رد فعل رسمي فلسطيني على تلك "الإهانة السياسية الصريحة"، قام وزير جيش الاحتلال بزيارة إلى مقر الرئيس عباس في "مقاطعة رام الله" (ليس مهما منزلا أم مكتبا)، وبدأ بتقديم قائمة عناصر لـ "تحسين مستوى المعيشة" للفلسطينيين، وبينها زيادة عدد العمال في الكيان، وبحث السماح لمشاريع في منطقتي (ب، ج) دون تحديد ما هي وطبيعتها، وخدمات أخرى، ولكن المفاجأة جاءت عبر عرض استخدام مطار رامون لسفر الفلسطينيين، كخيار مواز لحركة السفر عبر معبر الكرامة – الملك حسين.
سواء تم تنفيذ تلك الخطوات، أو بعضها، فهي عمليا رسمت بشكل كامل، وبمصادقة "الرسمية الفلسطينية" انتهاء مرحلة "الغضب المخزون" و"التهديدات المتلاحقة"، والانتقال من مرحلة "فك الارتباط" وتنفيذ قرارات المجلس المركزي، أو بعضها إلى مرحلة "تعزيز الارتباط" بالكيان المحتل، وبحث "سبل التعاون" في مختلف المجالات عدا السياسي، لتنتهي رحلة "الغضب المخزون"، والانتقال لرحلة "التعايش المقبول".
ما يحدث عمليًا، أن الرسمية الفلسطينية، بما تسير عليه ضمن مخطط "تحسين مستوى المعيشة"، تعيد الفلسطينيين إلى مجموعة سكانية تبحث حياة أفضل وليس شعب له حقوق قومية نحو إقامة دولته فوق أرضه، إلى حين يبدو أنه سيكون بعيدا لو استمر الحال على ما هو عليه.
بايدن قدم رؤيته للسلام وجوهرها: "الفلوس هي الحل" وبلغة أهل بلادنا "المصاري هي الحل"...والخيار للشعب الفلسطيني اقبلوها تنتعش حياتكم...رفضها تنتكس حياتكم...فسلطتم اختارت وعليكم أنتم الخيار الآن!