لا يمكن لوطني فلسطيني، أي كان انتماءه السياسي أو العاطفي، عدم الإقرار بأن الانقسام – الانفصال يمثل أهم أحد أسلحة دولة العدو القومي في حصار المشروع الوطني، والذي فقد كثيرًا من بريقه العام، مقابل تعزيز البعد التهويدي التوراتي في الضفة والقدس، مع تغذية "النتوء الكياني" الخاص بالقطاع.
دولة الكيان تعمل بكل ما لها من قدرة أمنية – سيبرانية وسياسية كي لا تتمكن الأطراف الفلسطينية التي تلتقي بين حين وآخر، وتوقع اتفاقات بتبعها فرح شعبي انتظارا لعودة ما كان بداية من تأسيس الكيانية الأولى فوق أرض فلسطين لمسارها الذي انطل مايو 1994، قبل أن تتدخل يد "الجراح الأمريكي – الإسرائيلي" بمساعدة أصدقاء متعددي الوجوه ببتر شريان الكيانية الأولى، وتركها في حالة نزيف تعالجها منعا للموت وليس للشفاء.
أسلحة استمرار الانقسام – الانفصال متعددة، متطورة تبتكر بين حين وآخر ما يبدو أنه "جديد"، خاصة ما بات يعرف بـ "التغذية الذاتية" لتلك الحرب العدوانية على المشروع الوطني، التي تنفذها أمريكا – إسرائيل، فاتجهت إلى صناعة حرب تشويه كاملة الأركان متبادلة بين طرفي الحال الانقسامية، بما يغرس الحالة العدائية، في ظل ترويج ثقافة حمساوية بشكل ساذج، فيما بات يعرف بخلق "بديل مواز".
"حرب التشويه" الشاملة – المتبادلة بين فتح وحماس، بأشكال مبتكرة، من ترويج معلومات متلاحقة تقريبا لا علاقة لها بالحقيقة، إلى اختلاق أكاذيب دون حساب أو تفكير، إلى صناعة تاريخ يرتبط بالفصيل خارج الوطنية العامة.
"حرب تبادل التشويه" تسارعت بعد فشل رحلة بايدن المطلق بتقديم أي "وعد سياسي"، بل أنه أغلق الباب أم أي حل في المدى المنظور، ما أدار الدفة من خيار مواجهة "العدو القومي" إلى مواجهة "الخصم الوطني"، كل بحساباته وبطريقته وفق المكان.
فتح أدركت يقينا، انها لن تذهب إلى تنفيذ أي من قرارات المجلس المركزي لفك الارتباط بالكيان العنصري، بل العكس يتضح أنها، عبر السلطة التي تتحكم في مفاصلها كافة، تتجه ال خلق شبكة "تعاون ارتباطي جديد"، بأدوات المصلحة الاقتصادية، اعتقادا أن تلك الوسيلة الأهم لتحويل مسار "الغضب المخزون" من طريق لآخر، ولمنع أي هبة رفض وطني للخيار التحسيني، على طريقة منصور عباس، مستبدلين "الوطني بالمعاشي"، ما يتطلب حصار كل محاولة استغلال ذلك لخلق توتر ما في الضفة والقدس.
وفي قطاع غزة، تعيش حركة حماس أسوأ فترات سيطرتها الحاكمة، بعدما سجلت أرقاما قياسية في الفشل الكلي، سياسيا – اجتماعيا – أمنيا واقتصاديا، مع بروز فساد غير مسبوق يتناقض كليا مع ما أعلنوه خلال بداية حكهم والادعاء الذي ثبت انه أكثر من مخادع وكاذب، ما سمي بـ "الأيادي البيضاء"، فيما يمر حكمها وحكومتها بأزمة علاقة مع أهل قطاع غزة، خاصة وحماس تخلت عن سلاحها الذي استخدمته لتمرير "مبيقاتها السياسية العامة"، مواجهة الكيان عسكريا.
حماس نقلت "البندقية" من كتف المواجهة للعدو إلى "كتف" التهديد للداخل الغزي، الذي بدأ يعلن حراكه الغاضب من أزمات خلقتها الحركة ذات الأيادي غير البيضاء، وانكشف "المخفي الأعظم" مصائبا، سلوكا ومسلكا في آلية استخدام الحكم لتعزيز "الذات الفصائلية"...
وأمام فشل طرفي المعادلة الانقسامية، وما تبين من فضائح خارج النص الوطني، كان لا بد من اختراع حرب الاخر ضد الآخر بمساعدة "الراعي الرسمي للانقسام -الانفصال"، فتكثفت عمليات التشويه وإنتاج مواد يعتقد كل منهما هي "سلاحه السري" للتغطية على مصائبه الخاصة، ولم يعد منها ما هو خفي على أهل فلسطين.
حرب تشويه الآخر للآخر بين طرفي الانقسام فتح وحماس، لا قيمة لها في تغيير المعادلة القائمة، بأن "الغضب المخزون" قد يجد طريقه في أي لحظة غير محسوبة ضمن أجهزة الكذب العام للطرفين، رغم سياسة الإفقار المهندسة جيدا، وفتح الباب الإسرائيلي كأنه "المنقذ"، اعتقادا أنه "الحل السحري" لامتصاص أو تأجيل اللحظة الوطنية التي تأخر أمدها سنوات.
"حرب التشوية المتبادلة" بين فتح وحماس لن تترك أثرا سوى تخريب مضاف إلى حين لا أكثر.. ولعلها تكون أداة تحريض وتسريع لـ "فك شيفرة الحالة الانقلابية السائدة في بقايا الوطن".. انتفاضًا غاضبًا!