في إطار البحث عن أرقام تساعد في كتابة المقالة، اتصلت بصديق مختص إلى حد كبير في الشأن الاقتصادي لأسأله بعض الأسئلة: أجابني بثقة المتخصص والواثق من إجابته: يتحدثون عن عجز في الموازنة والتي هي أقل من ستة مليارات دولار، أنا أتحداهم ومستعد أن آخذ الموازنة ضمانة وعلى مسئوليتي بستة مليارات دولار ودون إضافة أو زيادة في الضرائب أو الرسوم ودون مساعدات خارجية. هذه الإجابة زادت من رغبتي في البحث، وبالرغم من أنني لست خبير اقتصادي، ولكن الفضول دفعني لتتبع معطيات لها علاقة بالأزمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية منذ أعوام، تعاملت مع الأرقام التي تقدمها السلطة ذاتها سواء التي جاءت بها دائرة الإحصاء المركزي الفلسطيني أو أرقام وزارات الاختصاص، لا أستطيع القول إنها مقالة توثيقية ولكنها تستند إلى معطيات شبه موثقة، ومصداقيتها أعلى من أي تشكيك.
لنرى معًا ميزانية السلطة الفلسطينية كما أعلنت عنها الحكومة حوالي خمسة مليار وسبعة أعشار المليار دولار، دخل السلطة ليس المتوقع فحسب بل والخاضع لمنطق الأرقام والتي طبعا لا تكذب هو كالتالي:
دخل مشتقات النفط السنوي فاستهلاك فلسطين حوالي ثلاث مليون لتر يوميا ومعدل الضريبة والربح للسلطة دولار على كل لتر وهذا يعني ثلاث مليون دولار يوميا أي مليار ومائة ألف دولار سنويا. أما غاز الطبخ تستهلك فلسطين مليون ونصف مليون طن سنويا ومعدل ضريبة وربح الطن الواحد هو خمس مائة دولار وهذا يعني أن سبع مائة وخمسون مليون دولار دخل السلطة من الغاز أما التبغ فيستهلك المجتمع الفلسطيني تقريبا مليون ونصف علبة سجائر يوميا، لنفترض بعد التهريب أن الاستهلاك مليون علبة يوميًا معدل الضريبة خمسة دولار على كل علبة فيكون الدخل للسلطة سنويا حوالي مليار وثماني مائة مليون دولار.
أما الاتصالات ففي فلسطين أربعة ملايين خط هاتف محمول وبمعدل فاتورة مئة شيكل شهريا، والضريبة المضافة فقط ١٦٪ يعني أن دخل السلطة السنوي أكثر من مئتين مليون دولار هذا إضافة لرسوم الترخيص وضريبة الدخل والمدخول من شركة الخطوط الثابتة بال تل. والتي لديها مليون خط أرضي تقريبا وتدل دخلا للسلطة بما قيمته خمسون مليون دولار سنويا.
هذا كله خارج إطار المقاصة التي تبلغ مليار ونصف المليار سنويا وهي رسوم جمارك الاستيراد.
وإذا ما أضفنا ضرائب شركات التأمين، البنوك، وضرائب الدخل ورسوم ترخيص السيارات وبيع الأراضي وجوازات السفر والمواليد وبطاقات الهوية، ضريبة المغادرة على الجسور.. إلخ والتي بأقل تصدير تصل إلى حوالي نصف مليار دولار سنويا فإننا نكون قد وصلنا إلى رقم تجميعي يصل من ستة مليارات دولار سنويا.
لم يدخل في المدخولات أي مساعدات خارجية على الإطلاق، وأيضا لم تدخل في الأرقام المساعدات العينية، ولا أي تحويلات من الخارج.
الأرقام تنطق، ولها دلالات، لا أزمة مالية في السلطة.
الأرقام عنيدة ولا تقبل التأويل، لا أزمة مالية في السلطة
هذه الأرقام لا تحتمل نسبة خطأ اكثر من خمسة بالمائة، ولا هي قابلة للاجتهاد، وهي مأخوذة وبتحفظ كبير جدًا من مصادر متنوعة من المؤسسات الفلسطينية الرسمية، وتم حساب الحد الأدنى فقط بل وبأقل من الحد الأدنى بنسبة عشرة بالمائة تقريبا.
إن ميزانية بزيادة نصف مليار دولار لن تدخل دائرة العجز ولا تحت أي ظرف، بمعنى لو بلغت مصروفات السلطة ستة واثني بالعشرة مليار دولار سيكون بالإمكان الاعتماد على الذات الفلسطينية في جمعها، وهذا يعني أنه بالإمكان رصد نصف مليار دولار سنويا للتنمية والتطوير.
قد نفهم محاولات الضغط لاستجلاب مساعدات خارجية، ولكننا لا نفهم افقار المواطن والضغط على قطاع موظفي السلطة والمستشفيات وكثير من القطاعات الاخرى تحت عنوان خادع اسمه أزمة مالية.
إن غياب أداة رقابية تشريعية تجعل إمكانية التلاعب بالميزانيات أمرًا في غاية الخطورة، ويجعل -وهذا هو الأهم -الثقة في حرص السلطة على خدمة مواطنيها أمرًا مشكوك فيه، فبدل أن تكون السلطة مكرسة اهتمامها لتحقيق غايات المواطن أصبح المواطن مصدر استغلال وضحية استغلال وكذب مفضوح للسلطة. أن مقولة ضرائب مقابل خدمات أقل تنطبق على حال السلطة.
كما بدأت المقالة بحديث صديق انهيه بحديث صديق آخر مطلع على تفاصيل التفاصيل في التصرف بالمال العام حيث قال لي بغضب ينم عن حرص: لو اطلع المواطن الفلسطيني على كيفية التصرف بالمال العام فانه سيخرج عن عقله وسيحرق ويحترق على أن يبقى هذا الوضع قائما، قلت له لا تكمل لا أريد أن أعرف، فالجهل عنا نعمة لا أريد أن أفقدها.