نجحت المستعمرة الإسرائيلية في توجيه ضربة موجعة لحركة الجهاد الإسلامي، باغتيال أحد قياداتها العسكرية المجاهد تيسير الجعبري يوم الجمعة 5 آب أغسطس 2022، بقصف صاروخي لمنزله في برج فلسطين السكني، مما يعني لا محرمات في سلوك المستعمرة وإجراءاتها العدوانية، لا يردعها أية خسائر محتملة للمدنيين، حيث لا اعتبار للفلسطينيين في نظر وتقييم القيادات الإسرائيلية من السياسيين والعسكريين.
ليست عملية المستعمرة استثنانية، وليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، فالصدام والقتال والمواجهة بين الشعب الفلسطيني وقواه السياسية وفصائله المقاتلة من طرف، في مواجهة تفوق المستعمرة وجيشها وأدواتها وأجهزتها من طرف آخر، سجال سيتواصل، بشكل دائم ومتقطع حتى ينتزع الشعب الفلسطيني حقوقه في المساواة والاستقلال والعودة.
لقد سبقت هذه العملية الاجرامية حالة من التهدئة فرضتها الولايات المتحدة وزيارة رئيسها بايدن إلى فلسطين والسعودية، ورغبته أن تسود التهدئة في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن، بهدف إبراز شيطان واحد على المشهد الدولي هو روسيا، ومناضل واحد من أجل الحرية وحقوق الإنسان هو أوكرانيا، حتى ولو كان ذلك زوراً وتضليلاً.
إذن ما هي الدوافع لدى المستعمرة كي تبادر لعملية الاغتيال، طالما سبق واستجابت للمطلب الأميركي في مواصلة التهدئة، خاصة أن طرفي المعادلة الفلسطينية: فتح وحماس ملتزمتان بالتنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب؟؟.
دوافع المستعمرة في تنفيذ هذه العملية ضد الجهاد الإسلامي يعود لعدة أسباب:
أولاً تقديرها الأمني الذي أعلنته ووزعته وقالت فيه إن حركة الجهاد الإسلامي كانت تنوي تنفيذ عمليات ضد المستعمرة، ولذلك اتخذت حكومة يائير- بيني غانتس سلسلة من الإجراءات الاستباقية في اعتقال العشرات من قيادات الجهاد الإسلامي في الضفة الفلسطينية وفي مقدمتهم بسام السعدي أبرز قياداتها.
ثانياً لأسباب انتخابية حيث يتنافس ثلاث قيادات من أحزاب المستعمرة يوم الأول من تشرين ثاني نوفمبر 2022، على موقع رئاسة الحكومة وهم: 1- نتنياهو، 2- يائير لبيد، 3- بيني غانتس، ولذلك يسعى رئيس الحكومة المؤقتة لبيد، مع الوزير غانتس مستفيدين من مواقعهما التنفيذية في الحكومة وصنع القرار لتحقيق إنجازات عملية أمام الناخب الإسرائيلي ليدللوا أنهم أقوى وأشطر من نتنياهو، ويتم ذلك من حساب الدم الفلسطيني وخسائره.
ثالثاً تسعى المستعمرة لتوجيه رسالة متعددة العناوين، عبر توجيه ضربة موجعة للفصيل الفلسطيني الأقرب إلى طهران، في ظل الاهتمام الدولي بالاتفاق النووي الأميركي الإيراني، بهدف إحباطه، وزعزعة خطوات الاتفاق، ورسالة أخرى إلى خصوم إيران تقول لهم أن المستعمرة لن تتوانى في توجيه ضربات لحلفاء إيران، مقابل سياسات التطبيع السائدة ودعماً لها.
المشهد المؤذي أن المستعمرة تستفرد بالجهاد الإسلامي، ولا توجد ردود فعل حقيقية جدية من قبل حماس الملتزمة بالتهدئة الأمنية، ومن قبل فتح الملتزمة بالتنسيق الأمني، بل إن بيان حكومة المستعمرة قال بوضوح أنهم لن يستهدفوا حماس طالما هي ملتزمة باتفاق التهدئة، وهي كذلك.
المستعمرة تعمل بشكل متواصل لإضعاف الفصائل واستنزافها وضرب بنيتها التنظيمية الكفاحية كلما لمست أن هذا الفصيل أو ذاك يتقدم خطوة أو خطوات في قوته وانتشاره، وهذا ما سبق وفعلته مع الفصائل الأخرى، خاصة مع حركة حماس منذ قرار حسمها العسكري عام 2007 وسيطرتها المنفردة على السلطة في قطاع غزة، وهو ما تفعله اليوم ضد حركة الجهاد الإسلامي، وتستفرد بها بشكل علني.