اعتادت حكومات الاحتلال «الهشة» أو حكومات تصريف الاعمال التي تنتظر الانتخابات أن تُقوى شعبيتها لدى الجمهور «الاسرائيلي» بقصف قطاع غزة وإظهار «رجولة منزوعة المروءة والخلق» تعربد فيها الطائرات والصواريخ على تجمعات بشرية كبرى لا تملك في المقابل القدرات العسكرية والتقنية التى تسمح بالرد على تلك القوة «المتوحشة».
الحرب الحالية على قطاع غزة ليست استثناء بل هي امتداد لتلك اللعبة «القذرة» التى يمارسها الكيان المحتل بكل دم بارد، وهذا العدوان تحديداً يسجل لصالح متطرف جديد اسمه «يائير لابيد» الذي لم يُعرف عنه يوماً أنه «صقر يميني» كما هو حال نتنياهو وافيغدور ليبرمان أو أييلت شاكيد رئيسة حزب «يمينا» الطامحة في الوصول لزعامة اليمين العنصري في المستقبل القريب، فلابيد هذا يهرول للدخول الى «نادي الاجرام والقتل» عبر هذا العدوان وفي حالة تنافس حاد مع رموز التطرف اليميني وتحديدا نتنياهو الذي تحول خلال ثلاثة عشر عاما من ترؤسه المتواصل لحكومات الاحتلال إلى ما يشبه «الاسطورة» في العقل الصهيوني.
يائير لابيد بخلفيته البعيدة عن عالم العسكر والأمن وحتى عن السياسة التي كان يتناولها بمراهقة شديدة خلال سنوات عمله الاعلامي يريد إثبات ذاته في عالم السياسة والقيادة ولكن ليس ببرامج محلية على الصعد الاجتماعية او الاقتصادية داخل دولة الاحتلال، فاختار كما اختار نتنياهو في بدايات عهده بعد وصوله لاول مرة لمنصب رئيس الوزراء عام 1996 التصعيد السياسي في مناخ كانت تسوده اجواء اتفاقيات اوسلو واتفاقية وادي عربة، وتعمد «الاساءة» لتلك الاجواء وبث روح جديدة داخل المجتمع «الاسرائيلي» مناقضة تماماً لاجواء «السلام» تلك مستغلا وببراعة عملية اغتيال اسحاق رابين من قبل المتطرف اليميني «ايجال عامير» اليمني الاصل للبناء عليها من زاوية هدم فكرة السلام مع الأردن والفلسطينيين، وكانت اولى خطواته في هذا الاتجاه اختبار قوة وصلابة الحسين رحمه الله ومدى قدرته الحفاظ على اتفاقية وادى عربة بعد رحيل اسحاق رابين شريكه في تلك الاتفاقية، فقرر اغتيال خالد مشعل داخل عمان وكان رد الحسين درسا تاريخيا له وبمثابة صفعة ما زالت آثارها تلون صدغه وتحرك لديه احساسا موجعا بالضعف كلما ذكر الاردن على مسمعه.
ومنذ ذلك التاريخ نجح نتنياهو في البدء ببناء الليكود من جديد والمعسكر اليميني برمته وحتى في الفترة التى نافسه فيها منافس آخر وهو «الفيل الهائج» ارييل شارون.
ومنذ 2009 الى 2021 نجح نتنياهو في زيادة منسوب الوحشية لدى الاحتلال وتحويله الى دولة ابرتهايد لا تستطيع ان تتعايش مع الفلسطيني سواء اكان هذا الفلسطيني في غزة او بالضفة او حتى في داخل الخط الاخضر الا على انه مجرد رقم فقط، ونجح في ايجاد افظع قانون عنصري في التاريخ الحديث الا وهو «يهودية الدولة» وبالتالي نجح تلقائيا في ان يفرض على من يأتي بعده أياً كان ان يكون اكثر شوفينية وعنصرية منه، فدولة الاحتلال باتت وبعد ان اصبح اكثر من سبعين بالمئة من مواطنيها ارهابيين وقتلة لا يؤمنون مطلقا بوجود الشعب الفلسطيني، وتُغذى ادمغتهم خرافات واساطير مضحكة عن النقاء العرقي والسامية والاغيار وارض اللبن والعسل، او بافكار سياسية استجدت بعد التسعينيات من القرن الماضي جوهرها اما اقتلاع الفلسطينيين او ابادتهم.
في معادلة الصراع هذه، الانتصار سيكون حتمياً لأصحاب الأرض التاريخيين وليس للكتل البشرية الطارئة من الخزر والسلاف والفلاشا الذين اوهموا انفسهم بانهم «يهودا» وأنهم أصحاب الأرض التي لا يعرفون عنها شيئاً والتي لا تشبههم بأي شيء يذكر.
علينا ألا نستعجل النصر بالمعنى الاحتفالي اللحظي بل المطلوب هو الصمود لمراكمة نصر فوقه نصر للوصول إلى الانتصار التاريخي الحتمي.