لا يفعلها إلا المتفاني، المقدر لجيرانه، المضحي لشعبه، بائع الكعك الفلسطيني أشرف القيسي ابن قطاع غزة، من رفح الذي وافق على هدم بيته، لأنه عائق أمام الجرافات من الدخول لمنطقة سكنية فقيرة ضيقة يصعب الوصول إليها، تعرضتْ للقصف، وبات جيرانه تحت الأنقاض، إما أحياء أو جثامين، لا مجال لوصول طواقم الدفاع المدني مع جرافاتهم لإخراج الأحياء منهم والموتى من تحت الأنقاض، إلا بهدم بيته، ووافق برضى على إزالة بيته وهدمه تسهيلاً لوصول آليات الحفر والجرافات خدمة لجيرانه، أين يمكن أن يتم ذلك؟؟ من يُضحي بمنزل عائلته على أمل إنقاذ من تبقى من جيرانه حياً؟؟.
رجل لديه مواصفات التفاني والتضحية بهذا القدر مثل أشرف القيسي، لا يمكن لشعبه أن يُهزم، مهما امتلك عدوه المحتل القدرة على التفوق والبطش وسلب الكرامة، وهذا سبب صمود شعب فلسطين في غزة التي تعرضت لسلسلة متقطعة من الدمار والموت والخراب والقصف المبرمج في الأعوام المتتالية: 2008، 2012، 2014، 2017، 2019، 2021 والأيام الثلاثة الجمعة والسبت والأحد 7 و8 و9 من شهر آب 2022.
أحداث آب الجاري، محطة من محطات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، توقف سيرانها بفعل التدخل والوساطة المصرية القطرية الأميركية، بوقف إطلاق النار، بعد أن حصل كل طرف على ما يريد:
حركة الجهاد الإسلامي لم ترمِ مواقع الإسرائيليين بـ950 وردة، بل بقذائف صاروخية متعددة الأوزان والقدرة على التدمير والبعد الجغرافي، حتى وإن لم تقتل إسرائيلياً واحداً، وصمدت ولم ترفع الراية البيضاء، رغم خسائرها البشرية من القيادات الشهداء: تيسير الجعبري عضو المجلس العسكري قائد المنطقة الشمالية، وخالد منصور عضو المجلس العسكري قائد المنطقة الجنوبية، ومنها القيادات الوسطى: سلامة عابد، رأفت الزاملي، زياد المدلل، والكوادر: أسامة العوري، فضل زعرب، تميم حجازي، محمد البيوك، يوسف قدوم، أحمد عزام ومحمد نصر الله المدهون.
وخاضت المعركة وحدها دون سواها من الفصائل الأخرى، وخاصة حركة حماس التي بقيت متمسكة باتفاق التهدئة الأمنية مع تل أبيب والتزمت به وأعطته الأولوية على حساب حليفتها المفترضة حركة الجهاد الإسلامي، أما حركة فتح بقيت متمسكة باتفاق التنسيق الأمني مع تل أبيب، والتزمت به على حساب مكانتها كطرف قيادي في منظمة التحرير وسلطتها الوطنية، تتحمل المسؤولية نحو الشعب الفلسطيني وأمامه.
الشعب الفلسطيني خسر 45 شهيداً، و250 جريحاً، وهُدم 450 منزلاً، وزادت مآسيه وأوجاعه وفقره، وافتقد أشقاء وأصدقاء يشكلون روافع له في رحلة متاعبه، وفي مواجهة عدوه.
حكومة المستعمرة تمكنت من استغلال تفوقها التكنولوجي والعسكري، واستفردت بقطاع غزة دون غيره، واستفردت بحركة الجهاد الإسلامي دون الفصائل الأخرى، ووجهت ضربة موجعة معنوية ومادية للشعب الفلسطيني، في قطاع غزة، زادت من متاعبه وأوجاعه، وإن كان ما زال متماسكاً، مرفوع الرأس، يحظى بمعنويات، ولا خيار أمامه سوى مواصلة رحلة الحرية والاستقلال واستعادة حقوقه على أرض وطنه، الذي لا وطن له غيره: فلسطين وحقه في المساواة والاستقلال والعودة.