- طائرات الاحتلال تجدد غاراتها على حي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة وبلدة بيت لاهيا شمالي القطاع
إبراهيم، الشاب الفدائي والمقاتل ابن كتائب شهداء الأقصى بنابلس، ذو التسعة عشر عاماً كما يردد البعض، والملقب بالنابلسي ليس بطلاً ولا قائداً، لم يخض أو يخطط لمعارك، هو فقط شاب صغير نشأ في أزقة مخيم تجتاحه أرتال الموت، ويزرع جنود الإرهاب الإسرائيلي الموت في أزقته.
مخيم صغير وبيوت تلتصق ببعضها خشية البرد والقصف، وأم في الثلث الأخير من الليل تبكي زوجها وتغني لطفلها، فيسمع كل المخيم أدعية الرحيل والوداع، وصغار تغفو عيونهم فجراً على جنود ورصاص ومدرعات من حديد يئن الرصيف تحت جنازيرها، وأصوات بائع الكعك ينادي ... حي على الحياة.
هناك نشأ إبراهيم، وكبر وصار مقاتلاً منتمياً لحركة فتح، وبشكل أو بآخر صار بطلاً وأيقونةً يكتب له الشعراء، ويتغنى به المناضلين، لأنه وباختصار.. وقد لا يعجب هذا القول بعضنا.. صار شهيداً شاهداً على عجز فتح وعظمتها، غيابها وحضورها، قوتها وضعفها.
أن يكون شاباً ابن مطلع العشرينات، قائداً ومطلوباـ ومطارداً، فهذا دليلٌ واضح على حضور الروح النضالية والمقاتلة والعنيدة لدى أبناء فتح، وفي نفس الوقت شاهداً على غياب النموذج والمؤسسة العسكرية بفعل الاغتيال والاعتقال المتلاحق، والمطاردة المستمرة لرجال فتح.
إن وجود العواجيز في هرم القيادة "مركزية فتح" خلق هذه الفجوة الكبيرة بين أجيال فتح في الضفة تحديداً، بالإضافة إلى الفجوة الكبيرة بين النهجين، نهج قيادة عاجزة تؤمن فقط بالتنسيق والحل السياسي، القائم على الدونية والضعف، وبين جيل فتحاوي شاب قوي، يؤمن فقط بحق المخيم في الحياة، هذا الجيل الذي يشكل تهديداً على منظومة العواجيز أكثر مما يشكله ربما على الاحتلال ومنظومته الأمنية والعسكرية.
إذن، يجوز لنا كفلسطينين شرعاً وعرفاً أن لا نرى في النابلسي بطلاً فتلك حقيقة، لكنه عنقاء ووالدته عنقاء، بكل ما تحمله معاني النهوض من ركام الهزيمة إلى نيران المواجهة، ومن دموع الحزن والغضب التي سادت الشارع الفلسطيني عقب اغتيال النابلسي، إلى أسمى معاني الفخر والكبرياء والإعجاب، بعد أن رأى العالم ام إبراهيم في مشهد مهيب، عجزت فيه كل لغات الأرض عن وصف كبرياء وفخر واعتزاز الفلسطينية بطفلها، الذي كبر وحافظ على نهج فتحاوي وطني مقاتل حتى الرمق الاخير، ممثلا لكل مقولات زعيم فتح وقائدها ياسر عرفات، بأننا نطعم لحومنا لجنازير الدبابات ولا نستسلم، وبأن رياح الجنة هبت وأن شبلاً من أشبالنا و زهرة من زهراتنا سيرفعون علم فلسطين، فوق أسوار القدس وكنائسها، يرونها بعيدة ونراها قريبة وإنا لصادقون.
النابلسي سقط ولم تسقط نابلس، ولا المخيم، ولا جنين ومخيماتها وأزقتها، وحكايات رجالها وشبابها، وبعد غد سيصبح طفلاً من أطفال المخيم نموذجاً فتحاوياً جديداً يبرهن أن الراية لن تسقط.
ذلك ليس مجرد كلمات من باب الرثاء أو شحذ الهمم، بل هي رواية للتاريخ الذي تفيد كل شواهده، أن قوة الحق تنتصر دوماً على حق القوة، ولذا فعلى الاحتلال دوماً أن يتحسس رأسه وعلى عواجيز القرار أن يخشوا على نهجهم.