- جرافة الاحتلال تبدأ بتدمير البنية التحتية بمحيط ديوان السعدي بالحي الشرقيه في مدينة جنين
لم تجف دماء أطفال جباليا الخمسة، المتناثرة على يدي كل من يائير لابيد وبيني غانتس، آخر من يمارسون القتل العمد بحق أطفال ونساء، شباب وشيوخ فلسطين، من قادة إسرائيل، بعد، ورغم ذلك فإن لابيد يريد من الرئيس عرفات أن ينكر على شعبه حقه في المقاومة، بل وحتى في الشكوى، وطَرق أبواب العالم، وتقليب كل حجر بحثاً عن سلام عادل، يحقق لشعبه الحماية من القتل، والحرية والعيش الآمن الكريم في دولته المستقلة على ترابه الوطني!
وكأن الصحافي الذي سأل الرئيس عن عملية ميونيخ التي وقعت في ألمانيا قبل خمسين سنة، كان يتعمد إحداث صخب يشكل عامل ضغط على المستشار الألماني، أو حتى يمثل عقوبة له على استقباله الرئيس الفلسطيني، الذي لم يسمع ما هو مفيد أو مهم أو حتى مسؤول من جو بايدن الرئيس الأميركي قبل شهر حين زار بيت لحم، ولا حتى من الرئيس الفرنسي الذي سافر له الرئيس عباس قبل فترة وجيزة، طارقاً أبواب دول الغرب المركزية من أجل إحياء عملية السلام، وفتح أفق سياسي لحل الدولتين الذي تقوم حكومات إسرائيل تباعاً وبشكل حثيث ومتتابع بتقويضه، لذا فقد أثار لابيد ومعه اليمين الألماني زوبعة فنجان بناء على مغالطة، الهدف منها واضح، لكن مع ذلك كانت مناسبة للدخول في الجدل مجدداً حول أمر «الهولوكوست».
أولاً وقبل كل شيء لا بد من القول والتذكير، بأن الشعب الفلسطيني، بل كل شعوب الشرق الأوسط والعالم ليس له وليس لها علاقة بما حدث من محرقة ارتُكبت بحق يهود أوروبا على يد النازية وحلفائها إبان الحرب العالمية الثانية، بل إن الشعب الفلسطيني دفع وما زال يدفع ثمن جريمة ليس له أدنى علاقة بها؟ وكانت المحرقة من أحد أهم دوافع انحياز الغرب لإسرائيل، وتغاضيه عن جرائم الدولة التي ارتكبتها وترتكبها بحق الشعب الفلسطيني منذ تأسيسها وحتى اليوم، وارتكبت خلالها أكثر من 50 مجزرة، بدأت قبل الطنطورة، ولا تنتهي بمجزرة أطفال جباليا قبل أسبوعين من الآن.
واعترافات الجنود الإسرائيليين المشاركين في المجازر المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين تقشعر لها الأبدان، فيما كانت واقعة ميونيخ فصلاً من سلسلة الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ووقوعها على أرض ألمانيا لا يضعها ضمن الهولوكوست، بل ضمن ذلك الصراع، وهي وقعت عام 1972، وكانت عبارة عن قيام مجموعة من الفدائيين باحتجاز الرياضيين الإسرائيليين كرهائن لمبادلتهم بأسرى حرب فلسطينيين، وحين أقدمت قوات الأمن والشرطة الألمانية على اقتحام الغرف التي كان يحتجز فيها الفدائيون الرهائن وقع الاشتباك، حيث لقي الرياضيون الإسرائيليون مع معظم الخاطفين إضافة لشرطي ألماني حتفهم.
أما الرئيس عباس فقد اعتبر عن وجه حق مصرع الرياضيين الإسرائيليين، الذين قضوا في ميونيخ ضمن سلسلة الصراع وفي سياق الحرب بين الفلسطينيين والعرب وبين إسرائيل، جزءاً من الماضي، وتضمَّن رده ما مفادُه أنه اذا كان رهط من الرياضيين الإسرائيليين لقوا مصرعهم، فإن مقابلهم لقي آلاف الفلسطينيين وعبر مجازر متتابعة حتفهم على يد الجنود الإسرائيليين، وبالتالي التقدم من أجل السلام يدعو الى طي صفحات الماضي جانباً، فيما كان سؤال الصحافي غريباً ومريباً، ومثيراً للتساؤل، فكيف للرئيس الفلسطيني أن يعتذر عن لحظة اشتباك خلال حرب بين طرفين، فيما الطرف الآخر ما زال يمارس القتل، وصحيح بأن الرياضيين هم مدنيون وأنهم لقوا مصرعهم على أرض ثالثة، لكن إسرائيل نفسها سبق لها واغتالت عشرات الدبلوماسيين والكتاب والفنانين الفلسطينيين في العديد من عواصم الدنيا.
لا علاقة إذاً لواقعة ميونيخ بالهولوكوست، وأكثر من ذلك لا علاقة لها بالطبع بمعاداة السامية، وهي الأسطوانة التي تواصل إسرائيل بقادتها استغلالها لابتزاز الغرب، وضمان بقاء انحيازه لها وتأييده لسياساتها العدوانية واستمرار احتلالها لأرض دولة فلسطين، وبالتالي استمرارها في حبسه ومنعه من نيل حريته واستقلاله.
والحقيقة ان زيارة الرئيس لألمانيا تعتبر مهمة جداً، خاصة في ظل قيادة أمريكا للغرب في حرب ضد روسيا، كرد فعل على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مقابل عدم تحريك ساكن تجاه احتلال إسرائيل المتواصل لأرض دولة فلسطين وشعبها منذ 55 سنة مضت، لذا فقد أثارت او حتى أنها دبرت تلك المسرحية من أجل إفشال زيارة الرئيس لبرلين.
ولطالما حاولت إسرائيل وسَعت الى تفرد الولايات المتحدة بملف احتلالها لأرض دولة فلسطين وصراعها مع الشعب الفلسطيني، وأغلقت الأبواب في وجه كل من حاول أن يساعد في حل الملف، خاصة الجانب الأوروبي، والذي تعتبر ألمانيا الدولة الأهم من بين دوله، رغم انها كانت تكتفي بالجانب الاقتصادي، وتترك الجانب السياسي لشريكتها في قيادة الاتحاد، أي فرنسا التي تتمتع بمكانة العضو الدائم في مجلس الأمن والدولة النووية، التي تعتبر واحدة من الدول العظمى في العالم.
لكن إرهاصات النظام متعدد الأقطاب التي تلوح في الأفق تدفع كلاً من اليابان في الشرق وألمانيا في الغرب الى محاولة أخذ مكانيهما اللائقين على صعيد قيادة العالم، وفعلاً بدأت ألمانيا بدعم أوكرانيا بمعدات عسكرية، وهي شريك فعال في الملف النووي الإيراني، حيث هي إضافة لأعضاء مجلس الأمن الخمس، تشكل الطرف الآخر مقابل إيران.
أي أن إسرائيل تحاول أن تستبق الأحداث وتضع قدماً في مستقبل قد يجد العالم فيه كلاً من ألمانيا واليابان إضافة الى الصين وروسيا كأقطاب عالميين، وحيث إن إسرائيل تعتبر انه من الصعب جداً عليها الظفر بانحياز الصين وروسيا لاحتلالها لدولة فلسطين، فإنها تعتقد على العكس من ذلك، انه باستمرار ابتزاز ألمانيا بذكرى المحرقة يمكنها ان تظفر بانحياز ألمانيا الدولة القادمة، لجانبها في صراع ما زال لم يجد طريقه إلى الحل، حيث انه كلما تقدم العالم على طريق النظام متعدد الأقطاب، ارتفعت الأصوات التي تطالب بحله الى أساس عادل، وعلى غير طريقة الحرب الباردة، أو على غير طريقة معالجته من قبل النظام أحادي القطب الذي قادته أمريكا بعد ذلك.