- 8 شهداء وعدد من المصابين جراء قصف الاحتلال منزلا لعائلة جودة في جباليا البلد شمال غزة
يحتدم الجدل بين الفلسطينيين والأردنيين بعد سفر أول رحلة للفلسطينيين من مطار رامون الإسرائيلي في النقب الإثنين الماضي بل يستعر النقاش حد الاتهامات على خطوة إسرائيل التي تمكنت بحركة صغيرة واحدة من إدخال الجانبين إلى هذا المأزق. كيف؟ ببساطة لأنها تملك كل الإمكانيات وتهندس خطواتها بعناية فيما لا يملك الأردنيون والفلسطينيون سوى ردات الفعل المتأخرة.
فجأة أصبحت خدمة سفر الفلسطيني محل تنافس، أليست تلك نكتة لشعب تحت الاحتلال؟ أن تتنازع دولتان بمطاراتهما على تأمين خدمة السفر. هذا الفلسطيني المعذب على كل بوابات الدول الصديقة منها وغير الصديقة تتنازعه دولتان على تقديم خدمة السفر المريح في الأمر، إنها فانتازيا تتجاوز المنطق المجرد ولكن في السياسة يجد اللامنطق له متسعاً للعبث. ففيما يدور الخلاف بين الأشقاء بعد أن هندسها الإسرائيلي وفقاً لمصالحه غير عابث بأحد ليفتح نافذة جديدة لسكان الضفة منافساً للمعبر الأردني، يراقب الغزيون المصابون بلعنة السفر بحسرة وحسد لأن رامون حلم بعيد المنال وينظرون للجدل الدائر باعتباره ترفاً زائداً.
تستحق الأردن أن يخوض الفلسطيني كل معاركها بكل ما يملك من طاقة، لأن سيامية التاريخ والجغرافيا والدم أكبر من فصل التوأمين. فالدولة التي احتضنت نكبة اللجوء ونكسة حزيران وكل نكسات الفلسطيني يجب ألا تترك متسعاً للفلسطيني بالتفكير مرتين بين مصالح الأردن ومصلحة إسرائيل، هذا لو كان الوضع طبيعياً فما بالنا إذا كان ذلك خطة وهدفاً إسرائيلياً لإحياء مطار خارب لا يضر إلا شقيقاً يفتح أراضيه وسماءه استقبالاً.
يجب أن يكون الجميع أكثر هدوءا في معالجة مسألة لا تستحق كل هذا الغضب. وإن كان تجاهل بناء المطار مبكراً منذ إعلان إسرائيل عن تدشينه قبل تسع سنوات مخالفة أنظمة الطيران واتفاقية وادي عربة وروح السلام بينهما وهو ما يعكس المقولة الدارجة أن إسرائيل عند مصلحتها فإنها تلدغ أقرب الأصدقاء.
الإسرائيلي هو الطرف المقرر في المعادلة، وهو طرف محتل يتحكم بالفلسطيني، أما الأردن وهو الطرف المتضرر وهو أضعف من إسرائيل في المعادلة بينما السلطة هي طرف هامشي باعتبارها لا تتحكم بالمعابر والسفر وتتراجع قبضتها في الضفة بفعل التحكم الإسرائيلي وبفعل التآكل الطبيعي فما بالنا بمسألة لا سلطة عليها كالسفر؟ ولكنها تزيد من إضعاف نفسها في هذا الموقف بالذات لأن كثيراً من مسؤوليها يسافرون عبر مطار اللد، فكيف يمكنها أن تمنع المواطنين من السفر عبر رامون؟
لكن الأمر أبسط من ذلك أيضا، فإسرائيل دولة احتلال وعليها أن توفر حرية الحركة للشعب الخاضع للاحتلال، مطار بن غوريون أو رامون أو إيلات أو الجسر هذا واجب منصوص عليه في القانون الدولي ويبدو أن النقاش الاتهامي الدائر لا يأخذ ذلك بعين الاعتبار. ولكن حين تصبح المصلحة الأردنية بالسفر عبر معبر الأردن فليكن هو دون غيره ولتستخدم كل الإمكانيات لذلك دون تردد، وهي سهلة ومتوفرة وبالإمكان إفشال الإسرائيلي وتحويل مطاره إلى مخزن للبضائع ولكن دون هذا الصخب والصراخ.
ببساطة لو أعلنت الأردن أن من يسافر عبر المطارات الإسرائيلية بن غوريون أو رامون ابتداء من تشرين الأول القادم سيصبح شخصية غير مرغوب فيها في البلاد، هكذا الأمر ولو أعلن الفلسطينيون أن أي جواز ممهور بأي مطار إسرائيلي لن يحظى بمعاملة المواطن الملتزم وطنياً وعروبياً في معاملاته أظن حينها لن يسافر أي فلسطيني عبر رامون أو غيره وبالتالي لن يعاقب أي فلسطيني، أعرف أن هذا مؤلم للأهل في الضفة ولكن عندما يتعلق الأمر بصراع الإرادات يجب أن تنتصر الإرادة الأردنية الفلسطينية وليس الإسرائيلية.
لا يحتاج الفلسطيني للسفر عبر مطارات إسرائيل لأن المعبر مفتوح وإن كان بحاجة للعمل لمدة 24 ساعة يومياً كما كل مطارات ومعابر العالم، بالمناسبة كان الإسرائيلي يعمل على معبر رفح 24 ساعة مع بدايات السلطة وكذلك يعمل في كل المعابر والموانئ والمطارات وعلى الأردن أن تخفف من الإجراءات والتعرفة المالية وتلغي نظام الـ VIB الذي يعتبر نظاماً تمييزياً ومهيناً لفئات معينة هذا لا يحدث في دول تحترم الإنسان ويتلقى كل المواطنين فيها معاملة VIB لأن الدول وجدت من أجل رفاهية المواطن وتقديم أفضل خدمة وليس التمييز بين المواطنين فيها وإذا كان يمكن تقديم خدمة راقية لماذا يحرم منها مواطن إلا بدفع المال ؟
لا يحتاج الفلسطيني للسفر عبر مطارات إسرائيل فالرئيس ورئيس الوزراء يسافران عبر المعبر هذه هي المواقع الرمزية بالنسبة للفلسطينيين أما دون ذلك لا يعنيهم بل إن السفر عبر مطار اللد كان مدعاة للنيل من سمعة السلطة وحضورها بين الفلسطينيين لأنه يتم للطبقات العليا وهو ما سيصنع فارقا مع المواطن ويصبح الأمر مدعاة للغضب لأن الفلسطيني تحت الاحتلال وحين يصبح هذا مصلحة إسرائيلية ومادة للخلاف مع الأردن يجب أن يتوقف ويصبح المعبر هو الطريق الوحيد للغفير والوزير سواسية فما زال الفلسطينيون في بداية الطريق من المعيب صناعة هذه الفوارق الآن ويجب أن تتعاون الأردن والسلطة لمنعها وهي ممكنة كما ذكرت بتصريح واحد فقط.
الإسرائيلي يعبث بدهاء فقد قام الشهر الماضي بتعطيل حركة السفر عبر الجسر مستغلاً قدرته بالسيطرة والتحكم فهو الاحتلال وقادر على كل شيء، هكذا يتصرف، يضيق نافذة ليفتح أخرى يغلق طريقاً ويفتح آخر ليدفع الفلسطيني نحوه وبكل أسف يتم استدراج الفلسطيني وليت الأمر يتوقف على مطار فاشل بل تلك السياسة استدرجت الفلسطيني كثيراً لينساق بمحض إرادته خارج مصالحه وكان الانقسام أبرز تعبير عن كيف يدفع الإسرائيلي بالفلسطيني إلى حيث يريد وممكن إحصاء عشرات الخيبات.
هل يمكن أن يهمس أحد في أذن الأردن في ذروة الأزمة بأن سكان قطاع غزة ينظرون للمنافسة على السفر والخدمة بدهشة التعامل المزدوج؟ وهل يمكن لأحدهم في وسط هذه النقاشات أن يهمس في أذن القاهرة التي لها ما للأردن من واجبات على الفلسطيني التوأم بأن الطريق في سيناء ممكن قطعها في أربع ساعات وليس أربعة أيام؟ وأن معبر رفح البديل عن أي إغراء إسرائيلي ممكن أن يستقبل آلافاً وحتى لا يفتح الإسرائيلي رامون الخارب للغزيين وتتكرر التجربة مع الأردن حينها سيكون أمر الرفض أكثر صعوبة.