الاستهداف للعملية التعليمية والمنهاج الفلسطيني قديم جديد، فمع بداية الاحتلال للأراضي الفلسطينية عام 1967،ادرك المحتل دور المدارس والمؤسسات التعليمية في التربية والثقافة والوعي وبناء الشخصية الوطنية المتمسكة بهويتها وثقافتها ولغتها ومنهاجها وتاريخها وروايتها، ولذلك سيطر المحتل على المدارس الحكومية بشكل كامل، وحاول فرض المنهاج الإسرائيلي عليها، وبما يؤسرل منهاجها، ويشوهه وعيها ويسيطر على ذاكرتها الجمعية، ولكن جوبهت تلك الخطوة والمشروع، برفض شامل من كل المكونات والمركبات المقدسية سياسية وطنية تربوية تعليمية وجماهير شعبية، وأضربت مدارس القدس كاملة لمدة ثلاثة شهور، مما اضطر دولة الكيان للتراجع عن مخططها بفرض المنهاج الإسرائيلي على المدارس المقدسية، ليعود تدريس المنهاج الأردني الذي كان معمولاُ به في الضفة الغربية في مدارس القدس.
الاحتلال لا يتخلى عن مشاريعه ومخططاته، ولكن يبقي عليها قائمة متحيناً اللحظة والفرصة المناسبتين، لكي يعيد الكرة مرة ومرات ،ولذلك سعى من أجل ان يتقدم بمشاريعه ومخططاته تلك خطوة جديدة على طريق فرض المنهاج الإسرائيلي على مدارس القدس، وخاصة بعد اتفاق أوسلو، الذي "قزم" المنهاج الفلسطيني، بحيث اسقط من حساباته ومقرراته، الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ...ولكي يسن الاحتلال القوانين والتشريعات التي تمكنه في تطبيق مخططاته، حيث عمد في عام 2009 إلى إخراج مصطلح النكبة من المنهاج للطلبة الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني- 48-،وفي تموز من نفس العام، فرض على الطلبة هناك من الصف الرابع حتى التاسع التعلم عن الشخصيات الدينية والتاريخية اليهودية، ولينتقل بعد ذلك الى المدارس الفلسطينية في مدينة القدس، والذي وضع وزير التربية والتعليم الإسرائيلي أنداك جدعون ساغر نصب عينيه، السعي لأسرلة منهاجها، وخاصة في المدارس الخاصة،الذي نجح مخططه بإدخال بعضها في مصيدة المال المشروط" المال مقابل المنهاج"، حيث عمم عليها من خلال ما يعرف بمديرة المعارف العربية في 7/3/2011،قراراً يلزمها فيه بعد إستلام الكتب الدراسية من السلطة الفلسطينية، واستلامها فقط من دائرة المعارف الإسرائيلية، تلك الكتب التي تضمن شطباً وحذفا وخاصة في كتب التربية الوطنية والدين الإسلامي واللغة العربية والتاريخ، لأي كلمات او عبارات او دروس او قصائد شعرية متعلقة بالمضامين والهوية والتاريخ والسردية والرواية الفلسطينية، او تدعو الى دعم ومساندة الشهداء والأسرى وغيرها، وفي ظل النضال الشعبي والجماهيري الذي خاضه المقدسيون ضد هذه الخطوة، تراجع المحتل خطوة للوراء وليتقدم خطوتين للأمام، حيث شرع بتطبيق المنهاج الإسرائيلي في خمس مدارس مقدسية، تخضع لبلدية الاحتلال ووزارة معارفها.
ومن بعد ذلك شهدنا تقدماً جديداً على طريق أسرلة المنهاج، حيث تعاونت بلدية الاحتلال ودائرة معارفها، مع وزارة ما يعرف بشؤون القدس بقيادة المتطرف زئيف اليكن على ربط المنهاج بالميزانيات وعمليات الترميم ،المدارس التي تدرس المنهاج الإسرائيلي او تفتح شُعبا وصوفا للمنهاج الإسرائيلي، تغدق عليها الأموال والميزانيات، ويوضع لها إطار تعليمي خاص، يمكن من تحسين جودة وبيئة التعليم....ومن بعد تولي بينت رئيس وزراء الكيان السابق لوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية 2015 – 2019،دخلت مرحلة السيطرة على العملية التعليمية في القدس وأسرلتها وإزاحة المنهاج الفلسطيني بالكامل من المدينة، خطوات جديدة، حيث تضمنت الخطة الحكومية الإٍسرائيلية الخماسية 2018-2021 المخصص لها 2 مليار شيكل لدمج السكان العرب في المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي،875 مليون شيكل لأسرلة العملية التعليمية، حيث قال بينت فيما يعرف بالذكرى الخمسين ل" توحيد القدس"، إستكمال إحتلال القسم الشرقي من المدينة ،انه يجب ان تدخل العملية التعليمية في مدينة القدس، وبما يشمل كل المراحل التعليمية، خطة تكاملية تعزز من سيطرة اليهود على المدينة وتعميق ارتباطهم بها وبما يعرف بالهيكل، عبر الزيارات والجولات التعليمية، ومحاضرات تلمودية توراتية، تبين أهمية المدينة لليهود وتاريخهم الطويل فيها ،ولذلك شهدنا في فترة تولي بينت لوزارة التربية والتعليم 2015 -2018،تقدماُ على طريق تعزيز وزيادة اعداد المدارس التي تدرس المنهاج الإسرائيلي ،فنسبة المدارس التي تدرس المنهاج الإسرائيلي، لم تزد عن 5% حتى عام 2018،ولكن اخذت في التسارع من بعد عام 2019،حيث أقدمت حكومة الاحتلال على اغلاق مقر التربية والتعليم الفلسطيني في تشرين ثاني/2019 في القدس، وشرعت في محاصرة المدارس التي تدرس المنهاج الفلسطيني في البلدة القديمة، تمهيداً لتفريغها من الطلبة، وعملت على زيادة بناء المدارس التي تدرس المنهاج الإسرائيلي من صفوف الروضة حتى المرحلة الثانوية، ولم تعد العملية مقتصرة على تدريس" البجروت" التوجيهي الإسرائيلي، ولتقفز نسبة المدارس التي تدرس المنهاج الإسرائيلي الى 12% من مجموع طلبة مدارس القدس الذين يزيدون عن 100ألف طالب/ة، وكذلك عملت بلدية الاحتلال ودائرة معارفها، بعد اجتماع عقد في الكنيست في كانون ثاني/2017،بحضور بلدية الاحتلال ووزارة معارفها والشرطة والشاباك، على تعميق ارتباط المدارس الخاصة بزيادة ضخ الميزانيات اليها، وبما يمكنها لاحقاً من التدخل في شؤونها وفرض المنهاج الإسرائيلي عليها، ورأينا كيف ان دائرة المعارف الإسرائيلية وجهت رسائل الى العديد من المدارس الخاصة في آب الحالي، وفي المقدمة منها مدرسة الإبراهيمية ومدارس الإيمان الخمسة بسحب تراخيصها، واعطائها تراخيص مشروطة لمدة عام، مطالبة أياها بإزالة ما يسمى بالتحريض في مناهجها ..
بهذه الخطوة يريدون ارسال رسائل لنا، أولها أنه لا سيادة في المدينة إلا لدولة الاحتلال، ولا منهاج في مدينة القدس، سوى منهاج دولة الاحتلال، ولا رواية غير رواية الاحتلال، وليس هناك شعب محتل ولا نكبة ولا تاريخ غير تاريخ الاحتلال، الرسالة الثانية هي للمدارس الخاصة قبل غيرها، المال مقابل المنهاج ،والرسالة الثالثة للسلطة، تمسكوا بأوسلو كما تشاؤون، ونحن نقول لكم أوسلو بكارثيته بالنسبة لنا انتهى، ولن نقبل بأن يكون لكم أي شكل من اشكال الوجود والسيادة في القدس "عاصمتنا الأبدية".
وكذلك هو اعلان حرب على المنهاج الفلسطيني، إعلان حرب على الهوية والثقافة والكينونة والرواية والتاريخ والذاكرة الجمعية الفلسطينية، ويهدف إلى الانتقال من عملية "كي" وعي طلبتنا إلى "تطويع" و"صهر" و"تجريف" هذا الوعي.
أسرلة العملية التعليمية في القدس وإزاحة المنهاج الفلسطيني يتطلب الخروج من دائرة عقد اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات النخبوية، ومغادرة ذلك إلى وضع استراتيجية شاملة للمواجهة يتكامل فيها الجهد الشعبي والرسمي، وبما يوفر الميزانيات اللازمة لتلك المدارس التي تتعرض لهذه الهجمة، وكذلك على إدارات تلك المدارس أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الجانب والكف عن استخدام الحجج والذرائع من أجل استمرار حصولها على هذه الأموال من بلدية الاحتلال، فهي كانت قادرة على تغطية نفقاتها المالية بدون هذه المال المشروط من بلدية الاحتلال، ولا أحد هنا معفي من المسؤولية، فبسيطرة البلدية على قطاع التعليم الأهلي تسيطر على أكثر من 90% من قطاع التعليم في القدس، وحينها ستحدق الكارثة الحقيقية في هذا القطاع، وفي إطار التصدي لهذا المشروع والمخطط الخطير، لا بد من تقوية اللجان المحلية واتحادات لجان اولياء الأمور وتعزيز دورها، في مجابهة هذا المشروع، ، ولا مناص كذلك من تقديم دعم مالي عاجل وطارئ من أجل انقاذ مدارس التربية والتعليم في القدس من خطر الإغلاق، والعمل على تشكيل لجنة تحقيق رسمية، تضع يدها على سبب الخل والتراجع في إعداد الطلبة في المدارس الفلسطينية التابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكذلك وضع دول الاتحاد الأوروبي والبعثات الدبلوماسية الأوروبية امام مسؤولياتها في هذا الجانب، بكف يد الاحتلال عن التدخل في العملية التعليمية في القدس.
واستمرار التدخل الإسرائيلي في العملية التعليمية والسعي لشطب المنهاج الفلسطيني في القدس، يتطلب خطوة استراتيجية شاملة يجب ان يجري التوافق عليها، لكي تصحح الخلل بشكل نهائي.