في شهر يوليو 2022، وصل الرئيس الأمريكي إلى بيت لحم المدينة ذات المكانة الخاصة دينيا، من أجل عقد لقاء لمدة 35 دقيقة مع الرئيس محمود عباس، خرج دون أن يقدم شيئا يعتد به، بل عكسه تمامًا، بعدما قال إن طلبات الرئيس عباس تحتاج "المسيح" ليتم تلبيتها.
رسالة كانت قمة الوضوح، ألا تنتظر "الرسمية الفلسطينية" شيئا يذكر من الإدارة الأمريكية، عدا بعض "رشاوي محدودة" تتعلق ببعد اقتصادي، مقابل التخلي عما هو سياسي وحقوقي وقانوني مرتبط بالقضية الفلسطينية في مواجهة دولة الكيان.
وجاء التقرير الأمريكي من قضية اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة ليؤكد، أن هذه الإدارة هي الأكثر رداءة في منتجها السياسي منذ الرئيس الأمريكي كارتر حتى تاريخه، فهي لا تمتلك قيمة ولا قوة ولا تأثير في مسار الصراع الفلسطيني مع دولة الكيان، سوى أنها أكثر حماية ووقاية لها ضد الفلسطيني.
مؤخرًا، استخدم البيت الأبيض أدواته لتهديد الرسمية الفلسطينية، فيما لو ذهبت في خطتها الذهاب إلى الأمم المتحدة بطلب قبول دولة فلسطين عضوًا كاملًا، بعدما تم قبولها مراقبا عام 2012، كحق مفروض في سياق الشرعية الدولية.
الإدارة الأمريكية اعتبرت ان هذا الحق، جريمة سياسية لن تسمح بها، وستعمل بكل قوة لإفشالها، ولم تكتف ببيان عن بعد، بل سارعت بإرسال ممثلها الاتصالي لتبليغ التهديد مباشرة في رام الله، كي لا يكون هناك "سوء فهم" من التهديد عن بعد.
المفارقة الكبرى، كيف أن الإدارة الأمريكية تريد تسويق رفضها لحق فلسطيني تأخر عشر سنوات، باعتبار هذه الخطوة ستعرقل "جهود الرئيس جو بايدن في إحياء عملية السلام والمفاوضات".
ليت الإدارة الأمريكية اختارت ذريعة غير تلك الذريعة، ليس لأنه لا سلام ولا مفاوضات منذ اغتياله قواعده رسميا بقرار آخر رئيس حكومة من حزب العمل يهود براك (بطل اغتيال عملية السلام مع شارون ونتنياهو)، ولا مفاوضات بأي شكل كان، رغم كل محاولات الرسمية الفلسطينية ذلك، منذ سنوات.
يبدو أن إدارة بايدن، تجهل التطورات بأن دولة الكيان العنصري، لا تعترف من حيث المبدأ بوجود اتفاق مع منظمة التحرير، وسحبت عمليا اعترافها بها منذ 22 عاما، وهي لا تعترف مبدئيا بوجود سلطة فلسطينية لها دور سياسي، وهذ إعلان رسمي من قبل مكونات الحكومة الرسمية في تل أبيب، (بينيت لابيد غانتس)، كلام في منتهى الوضوح، لا لقاء سياسي معها، وبالتالي لا تفاوض معها، وفقط بعد أمني وبعض اقتصادي، كما تتعامل مع حكم حماس في قطاع غزة، بل ربما تحسب حكومة الثلاثي الفاشي لحكومة غزة حسابا أكثر من حسابها لحكومة عباس.
أمريكا، التي قادت حملة الكراهية والعداء ضد الرئيس عباس بعد تصريحات برلين، بكل ما بها حقًا وطنيًا كاملًا، فقط لأنه أعاد للذاكرة الإنسانية العالمية جرائم حرب متواصلة ضد الشعب الفلسطيني، وكأن قتل الفلسطيني بات حقا للفاشيين الجدد، يمنع أن يعلن، فيما لم تجرؤ أن تدين من اغتال صحفية تحمل جواز سفر أمريكي.
ليس مطلوبا أن تخوض الرسمية الفلسطينية "حربا واسعة" ضد هذه الإدارة الأوقح من سابقتها الترامبية، ولكن أيضا ليس مطلوبا أي حالة خنوع أو رضوخ أو تجاوب لما تريد، كونها لا تملك شيئا تقدمه، وكل ما لديها هو تهديد الفلسطيني، وهي تعلم أن غضبه قد يربك كثيرًا من مخططها، ليس في فلسطين وحدها.
لعل التوقيت العالمي يمثل "لحظة سياسية ذهبية" لتذهب الرسمية الفلسطينية إلى خطتها الكاملة نحو الأمم المتحدة لطلب عضوية دولة فلسطين الكاملة، لتكن معركة تعيد للقضية الوطنية حضورها الدولي، خاصة مع تنامي العمل الكفاحي في الضفة الفلسطينية بشكل يومي متناسق، بدأ يشكل هاجسا حقيقيا لجيش الاحتلال وأجهزة دولة الكيان الأمنية.
التحدي الفلسطيني للموقف الأمريكي سيكون قوة دفع جديدة في مواجهة المشروع التهويدي، وتصويب مسار أصابه "الخمول" زمنا، ليعود مشهد الفعل السياسي توازيا مع فعل كفاحي، ودولة الكيان تعيش هزات خاصة ما قبل انتخابات، لن تنتج سوى "فاشية جديدة" تحمل كل أشكال الكراهية للفلسطيني شعبا وقضية.
الخطوة الفلسطينية القادمة نحو الأمم المتحدة، يجب أن تترافق مع جدر حماية تزيدها قوة، وأن الرفض الأمريكي لن ينال منها، وفي الأصل، سحب الاعتراف بدولة الكيان والتطبيق العملي لدولة تحت الاحتلال، وإعادة النظر الشامل في جوهر التنسيق الأمني مع العدو والمخابرات المركزية الأمريكية.
أسلحة فلسطينية لها قيمة مضافة، يجب توظيفها خدمة للمعركة الكبرى القادمة بالشكل المراد، في التحدي للبضاعة الأمريكية المسمومة، التي تحاول إدارة بايدن، والتي لا تقيم وزنا لمن يلهث خلفها، تسويقها في السوق الوطني.
للتذكير، إدارة غير قادرة على تحقيق "وعد بايدن" للأردن بفتح جسر الملك حسين 24 ساعة، هل يمكنها أن تأت بحل سياسي قاعدته دولة وفق قرار 19/ 67 لعام 2012...فقط قارنوا وقرروا.
الأمم المتحدة أمامكم كفرضة تاريخية.. وأمريكا وراءكم لقتلكم تاريخيا.. الخيار لكم.. لكن تذكروا دوما أن شعب فلسطين لا ينسى ولا يغفل!