الأسير خليل العواودة الذي انتصر على سجانه بإرادته وامعائه الخاوية، بعد اضراب مفتوح عن الطعام، اقترب من نصف عام...وهو الذي كان من المفترض أن يطلق سراحه، ضمن تفاهمات واتفاق رعته مصر بين دولة الكيان وحركة الجهاد الإسلامي ،بعد عدوان آب الماضي على قطاع غزة وحركة الجهاد الإسلامي، ولكن يبدو بأن المصريين، كما هو الحال في كل مرة ،يتعهدون فيها غير قادرين على جعل دولة الكيان تلتزم بتعهداتها-صفقة الوفاء للأحرار تشرين اول/2011،حيث اعادت دولة الكيان اعتقال 53 منهم في حزيران من عام 2014 نموذجاُ-....المهم العواودة المعتقل الإداري ،أجبر ادارة السجون لدولة الكيان وأجهزة مخابراتها، على تحديد موعد الإفراج عنه في الثاني من شهر تشرين أول المقبل، ضمن تعهد خطي بعدم تجديد اعتقاله الإداري .
تجربة الإضراب المفتوح عن الطعام للأسير العواودة وغيره من الأسرى الإداريين، قالت بشكل واضح، بأن الأسرى ينتصرون في معاركهم على سجانيهم، ولكن هذه المعارك الاعتقالية، ومعها الإضرابات الفصائلية، أكدت بما لا يقبل الشك بأن مدة المعركة في مثل هذه الإضرابات تكون اطول، والضغوط التي تمارس فيها على الأسير او الفصيل تكون أكبر وأشرس، وادارة مصلحة السجون واجهزة مخابراتها، تستخدم كل ادواتها واجهزتها القمعية، لكي تكسر إرادة الأسير او الفصيل، من حيث تعدد اشكال العقوبات، من قمع وتنكيل وعزل وتنقلات مستمرة ،وبث الإشاعات والحرب النفسية من أجل التأثير على معنويات الأسير أو الأسرى الذين يخوضون اضراباً مفتوحاً عن الطعام...وكذلك حالة التضامن الشعبي مع الأسير أو الأسرى المضربين، تكون ليست بالمستوى ولا بالمدى ولا بالحجم المطلوب ناهيك عن أن التغطية الإعلامية والفعاليات الشعبية والجماهيرية، لا تكتسب الزخم والحجم والبعد المطلوب، ويضاف لذلك الحرب الشاملة التي يشنها المحتل على شعبنا بشكل يومي وتعدد المعارك والمواجهات، تلعب دوراً في تشتت الجهد والاهتمام....ومن هنا اود القول بأن انتصار الأسير العواودة في معركة الأمعاء الخاوية، والتي كانت نتيجة صموده الأسطوري، وإرادته الصلبة، يجب أن تكون مدخلاً لنقاش جدي، نحو العودة الى خوض الإضرابات المفتوحة عن الطعام ،كخطوات استراتيجية على نحو جماعي، يعيد للحركة الأسيرة هيبتها ودورها ووحدتها واحترامها وثقة الشارع الفلسطيني فيها، والعودة لتوحد هيئاتها الاعتقالية، قيادة اعتقالية مركزية موحدة ،هيئة تنظيمية وطنية موحدة، ولجان اعتقالية فرعية موحدة في كل سجن او معتقل يكسبها ذلك.
فالحركة الأسيرة وهي تعد اضراباً مفتوحاً عن الطعام، من خلال لجنة الطوارئ العامة، والتي كان من المفترض ان يشرع في الإضراب عن الطعام الف اسير في الاول من هذا الشهر، كخطوة استراتيجية لدعم الأسير العواودة في إضرابه المفتوح عن الطعام، والتصدي والمجابهة لتنصل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية من تعهداتها، بعدم الوفاء بإخراج الأسرى المعزولين من العزل، ووقف سياسة التنقلات الدوارة بحق الأسرى الذين تعتبرهم إدارة مصلحة السجون اسرى خطرين ،وكذلك وقف سياسة توزيع أسرى التنظيمات المستهدفة بالخطوات العقابية على غرف الفصائل الأخرى، بما يفكك منظماتها الاعتقالية، ويمنعها من ممارسة أية حياة تنظيمية او حزبية اعتقالية.
هذه الخطوة شكلت كابوساً لإدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها، على الرغم من رمزيتها وكونها لا ترتقي الى مستوى الشمولية والوحدة الكاملتين، ولكن ان تكون الخطوة جماعية وموحدة ،تشترك فيها كل مكونات وفصائل الحركة الأسيرة، فهذا يعني بأن حرباً ستشتعل داخل السجون والمعتقلات، وسيكون هناك مواجهات دامية، وخاصة بان الفصائل الاعتقالية، التي اتخذت قراراً بحل الهيئات التنظيمية لفصائلها، لتقول إدارة مصلحة السجون وأجهزة مخابراتها، بأن كل أسير هو عنوان، ولا عناوين موحدة للفصائل والتنظيمات "دبروا روؤسكم" مع الأسرى، ناهيك عن أن الشارع الفلسطيني في قضية الأسرى، التي تلامس كل بيت فلسطيني سيلتهب، وتصبح كل القرى والبلدات والمدن الفلسطينية، عناوين مواجهة مع المحتل، وبما يلقيه ذلك من اعباء أمنية وعسكرية على جيش الاحتلال واجهزته الأمنية ،ومع سقوط كل شهيد داخل قلاع الأسر او خارجها، ستزداد حدة المواجهات، وستتدحرج بقعة الزيت من مدينة الى أخرى، في ظل شارع فلسطيني، يشهد حالة تصعيد وتكثيف وزيادة في أعمال المقاومة ضد الاحتلال، فأعداد الشهداء في ازدياد مستمر ،ورياح انتفاضة أو هبة شعبية قادمة في الطريق، فالمحتل يزيد من حالة "تغوله" و"توحشه" على شعبنا بشكل غير مسبوق ،وعلى طول مساحة فلسطين التاريخية.
علينا أن نراجع قضية الإضرابات المفتوحة عن الطعام الفردية والفصائلية، والعمل على خوض حوارات جدية بين كل مكونات الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، وامتداداتها الفصائلية في الخارج، من أجل استعادة وحدة الحركة الأسيرة ،وإنهاء سياسة الفصل بين أسرى فتح وحماس في السجون ،وتوحيد الأطر الاعتقالية، قيادة اعتقالية مركزية جماعية، تمثل من خلالها كل الفصائل، ولجان اعتقالية موحدة ،وتمثيل اعتقالي واحد مركزي ،الى جانب تمثيل الفصائل ،فالتاريخ يعلم ومن خلال التجربة في السجون والمعتقلات الإسرائيلية بأن الكل مستهدف، وليس فصيل دون آخر، وحتى لو قدمت إدارات السجون وأجهزة مخابراتها امتيازا او تحسين ظروف حياتية كرشى لهذا الفصيل او ذاك، فهذا يندرج في إطار السعي لتكريس انقسام الحركة الأسيرة، وإحداث شرخ بينها، بما يبقيها ضعيفة ،يستطيع الاحتلال وأجهزة مخابراته هزيمتها في أي معركة اعتقالية قادمة.
قبل اضراب عام 2004 المفتوح عن الطعام، آخر الإضرابات المفتوحة التي خاضتها الحركة الأسيرة الفلسطينية ،والذي هزمنا فيه، لاعتبارات لا مجال لذكرها الآن، ولكن كل الإضرابات المفتوحة التي سبقت ذلك، تمكنت الحركة الأسيرة بوحدتها، ان تصنع انتصاراتها في زمن قياسي، حيث حجم التضامن معها من قبل الشارع الفلسطيني، كان غير مسبوق لجهة الأنشطة والفعاليات والمواجهات مع المحتل واجهزته الأمنية والشرطية، وحتى المشاركة في الإضرابات الرمزية عن الطعام، كشكل من اشكال التضامن مع الأسرى المضربين في سجون الاحتلال.
العودة لوحدة الحركة الأسيرة، يجب أن تعود، وأن يجري تجاوز الخلافات والانقسامات، ولربما تسهم وحدة الحركة الأسيرة في الضغط على صناع القرار في الخارج، لكي يثوبوا الى رشدهم، وان يضعوا المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني فوق كل مصالحهم ومكاسبهم الحزبية والتنظيمية.
وأنا أجزم انه إذا ما توحدت الحركة الأسيرة من جديد، فإنه لن يكون هناك أي مبرر لخوض الإضرابات المفتوحة عن الطعام بشكل فردي أو فصائلي.