يصادف أحيانا أن يلجأ أحدهم إلى صندوق خشبي لجده العجوز والمخبأ داخل رفوف الخزانة في إحدى زوايا غرفة مظلمة، وعلى الرغم من ظلام تلك الزاوية القديمة إلا أنها تشع مزيجاً من مشاعر الفرح والفخر والأمل والإحساس بالقهر.
في ذلك الصندوق الخشبي القديم ثمة رسائل اكتست بغبار الزمن، بعضها من رفاق هاجروا والبعض الآخر كانت قد أرسلتها إحدى حسناوات الحي، رسائل رغم مرور الزمن لم تفقد تأثيرها الجميل على محيا من يقرؤها.
هكذا هي رسائل سبتمبر، شهر الرسائل الصباحية المفاجئة للفلسطينيين، رغم قساوة واقعهم وقتامته، إحدى هذه الرسائل كانت قبل عام، حين استيقظ الفلسطينيون على رسالة أبرقها لهم ستة أسرى فجر السادس من سبتمبر حين انتصروا بملعقة صغيرة وصبر كثير على أعتى منظومات الأمن في العالم كله، ليبرهنوا بأن قلاع الحرية مهما بدت معالمها بعيدة فهي قريبة وصبر ساعة فقط إذا لم يفقد أصحاب الحق ثقتهم بأن النصر حليفهم، وليجسدوا بملعقة صغيرة مقولة حق وهي أن النصر حليف من يؤمن به مهما عظمت التضحيات وطال الزمان.
إنها ذات الرسالة التي أبرقها الفدائيون فجر يوم الخامس من سبتمبر عام ١٩٧٢، يوم أن استيقظ العالم على خبر عملية فدائية فلسطينية نفذها مقاتلو فتح في مدينة ميونيخ الألمانية حين احتجزوا الفريق الإسرائيلي المشارك في تلك الدورة، والتي كان هدفها الرئيسي تعريف العالم بفلسطين وقضيتها واقتلاع كيان الاحتلال الإسرائيلي لحق الشعب الفلسطيني في الوجود والحياة وتقرير مصيره أسوةً بأهل الأرض، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين القابعين في باستيلات عدو لا يرحم.
وكعادتها دولة الاحتلال أسوةً بكل منظومة احتلال وبطش مرت على البشرية، تتجاهل إسرائيل دروس التاريخ وتصر أن تناطح جدار الحقائق بقرون من طين مهما صمدت ستفنى، ومهما بدت قوية فبذور انهيارها في داخلها وفي تفاصيل مكوناتها.
هكذا تصر دولة الكيان على تجاهل الحقائق بالقفز فوق الجدران بأعواد رقيقة من الكذب، تجاهلت اسرائيل أن جنودها هم محض قتلة وأن منظومتها القضائية هي عصابة وحكومتها عبارة عن مافيا، ووزرائها هم مجرمي حرب مُلاحقين أمام أي قضاء عادل، حاولت أن تبرء ساحة جنودها من دماء شيرين أبو عاقلة التي علِقت في قلوب وأذهان كل أهل الأرض كمثال حي للحقيقة التي قتلتها واغتالتها إسرائيل بل ولاحقت كل من حمل رفاتها.
لا بأس، فلا يوجد احتلال رقيق أو ظلم ناعم، هكذا كان قدر الشعوب التي تريد حقها أن لا تستسلم، بل تموت أو تنتصر، تلك هي رسالة شعبنا وكل شهدائه بأن أسرانا سيتنفسون حريتهم مهما طال الزمن.
(تلك هي رسالة سبتمبر الأخيرة)