من بعد معركة "سيف القدس" ودولة الكيان تعمل على كسر المعادلات وقواعد الردع التي نتجت عن تلك المعركة، بربط الساحات الفلسطينية مع بعضها البعض، وايجاد وحدة حال ومصير ما بين القدس وقطاع غزة، ووقف تسمية أهلنا وشعبنا في الداخل -48 - ب"عرب إسرائيل"، واعتبارهم جزء أساسي من شعبنا الفلسطيني ومشروعه الوطني في النضال ضد الاحتلال والاستيطان، فتلك الوحدة وخوض حرب مفتوحة مع دولة الكيان عنوانها القدس والأقصى، من شأنها تعميق أزمة دولة الكيان سياسياً ومجتمعياً، وإضعاف مناعة جبهة الداخلية، ولذلك من بعد تلك المعركة ومن بعد العمليات الكبرى الأربعة أيضاً التي نفذها شبان فلسطينيون من الداخل الفلسطيني - 48 - والضفة الغربية، وتحديدًا مدينة جنين ومخيمها في آذار ونيسان الماضيين، ودولة الكيان بكل مستوياتها العسكرية والأمنية والسياسية والاستخبارية، تعكف على صياغة رؤى واستراتيجيات ووضع خطط وبرامج لكيفية، منع تحويل المقاومة الفلسطينية إلى مقاومة شاملة وموحدة، بل جعلها مقاومة محلية، يجري محاصرتها مناطقياً وتسليط قوة نارية وعسكرية كبيرة عليها تمكن من القضاء عليها وإضعافها إلى أبعد حد، وكذلك منع نشوء وتبلور هياكل وبنى وقواعد تنظيمية لفصائل المقاومة وغيرها.. وفي مواجهة تصاعد المقاومة.. اعتمدت دولة الكيان عدة مسارات لتحقيق هذه الأهداف، سياسة الإنهاك المستمر عبر عمليات الاقتحام والدهم والتفتيش والقيام بعمليات استباقية من اعتقالات واغتيالات وتصفيات، عمليات "جز العشب" ضد ما يسمونه بـ "الذئب المنفرد" وعملية كاسر الأمواج" لمنع توحد ساحات الفعل والعمل المقاوم، والسعي لاستعادة قوة الردع ،وترافق ذلك مع سعي حثيث للتعاون مع السلطة ومحور التطبيع العربي وأمريكا وأوروبا، لتحسين ظروف وأوضاع السكان الفلسطينيين عبر ما يعرف بخطوات السلام الاقتصادي و"تقليص الصراع"، بما في ذلك تعديل المادة 34 من اتفاقية باريس الاقتصادية، بتحويل رواتب العمال الفلسطينيين داخل دولة الكيان ومستعمراته المقاومة البنوك الفلسطينية بدل الصرف النقدي لها مباشرة للعمال، بحيث تستوفي خزينة السلطة 75% من الضريبة التي تفرض على أجور العمال كاقتطاع منها على عمليات التحويل، وتتقاضى دولة الكيان 25% كرسوم خدمة للقيام بهذه العملية. لعل وعسى تحسين الظروف الاقتصادية تسهم في تراجع العمل المقاوم، وتزيد من شعبية السلطة التي تعيش حالة من التراجع والتآكل غير المسبوقين، ليس بسب تعاونها الأمني مع دولة الكيان، بل ضعف ادائها الحكومي وفسادها المستشري، يجعل من المستحيل خلق حالة من الثقة بها، أو جسر الهوة بينها وبين الجماهير الفلسطينية.
وأضح بأن ما نشهده في الضفة الغربية ،هي مقاومة من نوع جديد تمازج بين الحجر والمولتوف والرصاص والسلاح، ويبدو أنها عابرة للفصائل وقوامها شبان فلسطينيون دون الخامسة والعشرين، ينتظمون محليا وعفوياً ودافعهم الأنموذج والمثل وامتلاك الإرادة وفقدان الثقة بالسلطة وبنهجها وخيارها ومسارها ومشروعها، وكذلك لا بد من القول بأن هناك العديد من البنى والهياكل التنظيمية للفصائل، وبالتالي مشاريع ومخططات الكيان لوأد المقاومة في جنين ومخيمها، كبؤرة مركزية لقوى المقاومة، فشلت في منع تدحرج "بقعة الزيت"، حيث وجدنا بان "كتيبة جنين" التي تشكل عصب العمل المقاوم، انتقلت المقاومة نابلس ومخيماتها وطوباس وقباطيه وطولكرم، لتقول بشكل وأضح بأن دولة الكيان غير قادرة على استعادة قوة الردع، ولذلك شهدنا تصعيداً كبيرا من قبل جيش الاحتلال وأجهزة مخابراته، لم يطال فقط الضفة الغربية لوحدها، بل هو شامل لكل مساحة فلسطين التاريخية، في القدس والداخل الفلسطيني -48 – وقطاع غزة، حتى أن قادة دولة الكيان يفكرون باستخدام الطائرات المسيرة في قصف ما يعتبرونه بؤر ومواقع لقوى المقاومة في الضفة الغربية، ومن يشاهد قيام جيش الاحتلال بحشد اكثر من مئة وعشرين آلية ومدرعة لكي تقتحم مدينة صغيرة بحجم جنين، أو تحشد اربع كتائب لتأمين ،دخول المستوطنين المقاومة قبر يوسف في نابلس، فهذا يدلل على ان هناك تصاعد وتطور في أشكال العمل المقاوم، وأن الدخول للقيام بعمليات الاعتقال في الضفة الغربية، لم يعد نزهة او غير محفوف بالمخاطر، فكل عمليات الاعتقال تجري مقاومتها وحدوث اشتباكات أثناء القيام بها، وكذلك الشبان المُعرفين كمطلوبين لدولة الكيان، إما ان ي س ت ش ه دوا أو يجري اعتقالهم بعد نفاذ ذخيرتهم، وهذا تطور لافت ومهم، ويشكل مصدر خطر وقلق لدولة الكيان، فهؤلاء الشبان لم يعد ولائهم للسلطة وأجهزتها، بل باتوا يشعرون بأنها عبء على شعبنا الفلسطيني.
ما يقوم به الكيان من عمليات في الضفة الغربية، مستخدماً فيها نيرانه الكثيفة وقواته البرية بأعداد كبيرة، والتخطيط لإدخال سلاح المسيرات في عدوانه، يؤكد بأن هذا الكيان لا يقوم بذلك ارتباطًا بأوضاعه وأزماته الداخلية سياسية ومجتمعية، وتآكل مناعة جبهته الداخلية، وإدخال الدم الفلسطيني في المزاد الانتخابي لدولة الكيان، للحصول على أصوات انتخابية وزيادة حجم التمثيل في " الكنيست" البرلمان الصهيوني، بل هناك هدف أبعد من ذلك، ألا وهو محاكاة شن حرب على لبنان وحزب الله، فالوضع على الجبهة اللبنانية، ترسيم الحدود البحرية والتسلم بحقوق لبنان الاقتصادية في حقوله من غاز ونفط، لم يجر الاتفاق عليها، وحكومة الكيان غير قادرة على أن تستجيب لها، لأن ذلك قد يجعلها عرضة لشن حرب عليها من قوى المعارضة اليمينية وفي المقدمة منها نتنياهو، باتهامها بالرضوخ لمطالب حزب الله، رغم أن بايدن أبلغ نتنياهو، بأن قضية الغاز الشرق المتوسطي، هي أمن طاقة عالمي، ولبيد يعمل لمصلحة دولة الكيان، ولذلك تسعى دولة الكيان بالتعاون مع شريكها وحليفها ما يعرف بالوسط الأمريكي عاموس هكوشتاين المقاومة استقطاع الوقت، ودفع وربط عملية الترسيم المقاومة ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في تشرين ثاني المقبل، مع وقف دولة الكيان من الاستخراج من حقل "كاريش"، وإطلاق يدها في الاستخراج من الحقول الأخرى، على أن ينتظر لبنان الحصول على الجائزة الكبرى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وحينها يكون لبنان في حالة فراغ سياسي، عدم انتخاب رئيس لبناني، بالرهان على حلفائها في الدولة اللبنانية والضغوط عليها من أمريكا، للقبول بما يطرحه هوكشتاين، بحيث يصبح ممسكا ومتحكما بملفي الرئاسة والترسيم...طوال ثلاثة عشر عاماً وعبر خمس وسطاء أمريكيين والعنوان المماطلة والتسويف، في قضية حقوق لبنان الاقتصادية من ثرواته البحرية غاز ونفط الواقعة ضمن مياه الإقليمية، ولذلك طرح سماحة السيد، اذا لم يحصل لبنان على غازه ونفطه، فلا غاز ولا نفط للجميع.. وقال ب معادلة "كاريش " – قانا.. ورفع شعار " كاريش وما بعد كاريش"، وأكد على عدم قبول سياسة المماطلة والتسويف، واستقطاع الوقت، وحدد شهر أيلول كموعد أخير للترسيم، والتنقيب والاستخراج المتبادل، واذا لم يحصل ذلك فلبنان الذي يعيش أزمات اقتصادية ومالية خانقة سيدفع ثمنا باهظاً، ولذلك لا بد من منع دولة الكيان بالقوة من التنقيب والاستخراج.. ودولة الكيان تدرك بأن السيد يترجم ما يقوله ويهدد به المقاومة فعل.. وكذلك الأوضاع المتفجرة مع طهران، في ظل تلاشي فرص توقيع الاتفاق النووي، حيث باتت طهران لا تستعجل توقيع هذا الاتفاق، فالعقوبات الأمريكية القصوى فقدت معناها وقيمتها، في ظل علاقاتها وتحالفاتها الاستراتيجية عسكرياً واقتصادياً وتجارياً مع الصين وروسيا.. قادم الأيام سيجيب على أن الحرب هل باتت وشيكة في المنطقة، وهل ستكون لبنان بوابتها؟