لم أري سموا في التاريخ البشري لتكوين الشعوب وصقل الحضارات وتشكيل الامبراطوريات كتلك التي أعطاها الاسلام قبل أكثر من 1400سنة للمرأة من حقوق وواجبات جعلها لها شخصية يخاطبها بها وذمة مالية مستقلة وتحصين يحفظ كرامتها ونسلها وأطفالها وقاية من الأمراض الاجتماعية والجنسية وجعلها محور توزيع الميراث حيث أنها ستحوذ علي القيم الأكبر من الميراث في أكثر من 26حالة يكون نصيبها اكبر من الرجل الي جانب إعطاء القوامة الرجل في أن يتحمل مسؤلية النفقة عليها والاهم من ذلك كله حفظ لها كرامتها البشرية الا تكون سلعة رخيصة في مجتمعات أحلت زواج الاستبضاع والمتعة والزنا في قوالب حربة الاستمتاع المفرط من أي لذة ...
لذا فالقوانين التي يأتي بها الغرب هي لاستدراك أخطاءه وجرائمه في حق المرأة التي كانت سلعة رخيصة تباع وتشتري وترهن ويتم الحجز عليها أو تمريرها علي مجموع من الرجال في ليالي صاخبة تفقد في خصوصيتها وكرامتها وهويتها ولأن الاسلام يسبق كل هذه المستجدات قبل أكثر من أربعة عشر قرنا فإن بعض ما يسمي بالحريات هي بمثابة انتكاسات تعطل صيانة حقوق المرأة وتؤدي بها في مهاك الردي كالعطشي الذين يرون في السراب ماء .
أن استشعار المجتمع لخطورة ما يتم تطبيقه باتجاه دفع المرأة باتجاه التمرد علي كل العادات والتقاليد التي هي جوهر الدين الاسلامي وأساسه المتين في بعض الحركات النسوية التي تدفعها الي ممارسة الشذوذ كحقوق وبيع العشرة كتحرر وتهيئة مناخات تساعدها علي الانفلات تحت دواعي الاضطهاد والظلم أو الخروج علي الاسرة ظانة بأنها بهذا الخروج يتحقق من تصبو إليه من طموحات كاذبة و وعودات تضليلية سرعان ما تتبخر بمجرد أن توقع في مصيدة الشهوات والرغبات الزائفة لذا يجب أن تغلب عادات المجتمع وتقاليده كل هذه البداءات التي بدأت في الانتشار من حالات هروب الفتيات من بيوت أسرهم الي حالات الغياب عن المنازل سواء بمشاركة أو دعم الجمعيات في هذا الإطار أو بمساعدة دول تعتبر نفسها صاحب الوصاية علي حقوق الإنسان في هذا العالم الظالم ...
واذا كانت هذه المؤسسات الدولية جادة في الحماية من الظلم والاضطهاد فإن هناك أكثر من خمسمائة أسيرة فلسطينية في السجون الإسرائيلية منهن أكثر من عشرة في المائة في سن الطفولة الي جانب حالات كثيرة من المرضي الي الأهم الذين تركن أولادهن الرضع والاطفال بدون رعاية وهناك حالات يجتمع فيها الاب والام داخل هذه المعتقلات تاركين أولادهم لظروف الحياة والظلم الاحتلال واضطهاده فاين الإنسانية عن ممارسة حنانها وقيمها ومبادئها عن هذه الحالات في تشكيل لوبي دولي للضغط من أجل اخراجهن من السجن ام أنهم يرون أن السجن ليس مكان للاضطهاد والظلم وضياع العمر والمستقبل ...
أن انعكاس الرغبة في التقدم علي المزيد من توقيع الاتفاقيات الدولية بدون إبداء أي تحفظات يخالف شرط جوهري في تطبيق أي قانون غريب يختلف من بيئة الي أخري فما يصلح في فرنسا من قوانين حماية الأسرة علي الاكيد لا يصلح في فلسطين وكذلك لا يصلح في الفاتيكان ...
ولقد أثارت اتفاقية سيداو التي وقعت عليها السلطة الفلسطينية في أبريل/نيسان عام 2014، جدلا واسعا، خاصة وأن فلسطين تكاد تكون الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي وقعت عليها، دون إبداء أي تحفظ على بنودها.
وتُعرف اتفاقية سيداو (CEDAW) بأنّها اتفاقية دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979، بأنّها مشروع قانون دوليّ لحقوق المرأة، تتألّف من مقدمة و30 مادة، تحدّد ما يشكّل تمييزاً ضدّ المرأة.
أنه من العجب أن تتحفظ دولة مارقة كإسرائيل على بعض مواد اتفاقية سيداو لاعتبارات، منها دينية، وإن لم تعلل ذلك بالدين اليهودي، ولا عجب أيضا ألا نستجيب لهذا البعد العربي في إبداء التحفظ على اتفاقية سيداو حيث تحفظت عشرون دولة عربية على الاتفاقية باستثناء الصومال والسودان اللتان لم توافقا عليها بالمطلق".
ولا عجب أيضا أن من بين الدول المتحفظة، 54 دولة هي قوام البلدان التي تتبع منظمة المؤتمر الاسلامي، بما فيهم الدول العربية، إضافة إلى أمريكا والصين واليابان، لاعتبارات حماية الأسرة من التفكك، ولكن العجب أن تنظم معاهدة روما للاتفاقيات الدولية مسألة التحفظ، وهو استبعاد بعض أو كل بنود الاتفاقية من التطبيق، ومن إحلال الأثر القانوني على الدولة ونكون موقعين عليها ولا نستغل هذا التحفظ
أن إصدار قانون بقرار رقم 21 لسنة 2019 بتحديد سن الزواج للمرأة بـ 18 سنة بموجب مرسوم رئاسي، وتعميمه على جميع المحاكم الشرعية، جاء استجابة لمدى القبول والتنفيذ الذي نص عليه البروتوكول الخاص باتفاقية سيداو لولوج الموعد السنوي لمراقبة التنفيذ في الاتفاقية من قبل الآليات التي وضعتها سيداو، وكذلك رفع التقرير السنوي من قبل السلطة الفلسطينة، وأيضا تقرير مؤسسات المجتمع المدني للتحقق من مدى استجابة الدولة لتنفيذ الاتفاقية"، مبينا، أن "هذه الاستجابة جاءت بعد توصيات أصدرتها الهيومن رايت وتش، واللجنة المكلفة في سيداو، بضرورة إجراء تعديلات في قانون العقوبات الفسطيني بعدم تحريم الإجهاض، وإلغاء عقوبة الزنا، وتحديد سن الزواح للمرأة بـ18 سنة، ونشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية واعتبارها قانونا
إن ثورة المجتمع ضد الاتفاقية لم تكن بسبب الانضمام لها فقط، ولكن بسبب الاستجابة للتوصيات سالفة الذكر، وإصدار مرسوم قانون بقرار يتعلق بسن الزواج، حيث أن السلطة وقعت اتفاقية سيداو في أبريل/نيسان 2014، فأدرك المجتمع الخطورة من هذه الاتفاقية دون معارضتهم المطلقة لكافة نصوص الاتفاقية
ولكن يبدو أن حالة الاشتباك المجتمعي التي حلت في إطار الخلاف حول اتفاقية سيدوا وبروز الشكل العشائري الذي تم في الخليل في المبالغة في حالة الرفض واحلال لسلطة العشائر بدل الدولة المركزية في التعاطي مع قضايا المرأة في تشريع ما يجوز و مالايجوز لها ممارسته من أنشطة، نوع من إغراق الساحة بقضايا تفصيلية لتمرير شيء سياسي معين، أو للتغطية علي قضايا تريد السلطة أن تخفيها عن جماهيرها لأن عدم التحفظ على سيداو أشد لعنة من أي وضع سياسي، لأنها تضرب الحزام الاجتماعي، وتدفعه نحو التفكك والاضمحلال والتلاشي
السلطة هربت من هول التغطية على خطأها القاتل في عدم إبداء التحفظ على اتفاقية سيداو، باستصدار حكم من الدستورية يلوذ بالخباثة والغباء في آن واحد، فحواه أن سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين بشرط عدم مخالفة الهوية والثقافة والدين لأن هذا الحكم يعتبر فاقدا للقيمة القانونية عند المواءمة التشريعية وجعل الاتفاقية جزء من التشريعات الوطنية بما يتوافق مع سيداو، وإلغاء أي شكل يختلف معها في أي من القوانين الوطنية، لأن سمو الاتفاقيات الدولية له معنى واحد في الفهم الدستوري والدولي، وهو علو مرتبة هذه الاتفاقيات عن الدستور والقوانين، فكيف يكون الاستثناء في علو فارض أطنابه على كل النظام القانوني للدولة
أن لتحفظ عند توقيع الاتفاقية كما فعلت الدول الإسلامية والعربية كان مخرجا أكيدا للبعد عن حالة الاشتباك المجتمعي والقيمي أيضا، والبديل عن التحفظ المسبق هو الانسحاب اللاحق بعد الانضمام للاتفاقية، وهو مخرج وإن كان يضرب السمعة الدولية للسلطة في توقيع اتفاقات قادمة إلا انه يحافظ علي البنية الاجتماعية الأسرية، وهي أهم مكونات المجتمع الفلسطيني في مواجهة التحديات المنوطة بالقضية الفلسطينية
أن الانتقادات الموجهة لاتفاقية سيداو ترجع أيضا لمخالفتها للشريعة الإسلامية في قضايا كثيرة منها، الولاية في الزواج، وجواز أن تنسب المرأة الطفل لها، وأن تلد بدون إبراز عقد الزواج، وهي تحمل مخاطرة في الهروب باتجاه تحصين الحمل الذي يأتي من السفاح، إذ لا اشتراط لوجود الأب في التسجيل، والدين يدعو في القرآن "ادعوهم لآبائهم".
إن مساواة المرأة بالرجل في الميراث، وإن كانت هذه المسألة فيها ظلم للمرأة، حيث إن المرأة في مواضع كثيرة تاخذ أكثر من الرجل وفيها مخالفة واضحة للآية الكريمة "للذكر مثل حظ الانثيين"، كما أن المساواة في الزواج والطلاق وعدم خضوع المرأة للعدة الشرعية التي تخضع لها في حالة الطلاق أو وفاة الزوج مساواة به، والتي وضعت لنقاء الأرحام وعدم ازدواج في النطف الذي قد يولد العديد من الأمراض الجنسية المستشرية بالغرب".
ومن جهة أخري فأن حرية التصرف في الأملاك تعتبر مخالفة للدين، وهنا تقع قضية اتحاد الذمة المالية بين الزوج والزوجة مع إمتلاكها المساواة في الطلاق، فإنه قد يؤدي بسوء نية إلى إهدار مال الزوج، وفيه مخالفة واضحة لاستقلال الذمة المالية للزوج والزوجة حسب النظام الإسلامي كما أن المساواة في حرية السفر وحرية الإقامة والسكن، يقتل أي ولاية للزوج على زوجته في أخذ الإذن بالسفر أو الحرية في أن تسكن في غير بيت الزوج متى رغبت إلا عند إقامة العلاقة الزوجية".
ومن المخاطر التي تعصف بتطبيق سيداو حرية تشكيل الجمعيات للمثليين، لتصبح مسألة زواج الأنثى من الأنثى والذكر من الذكر مباحة، طالما أن هناك جمعيات تدافع عن هذه المسألة، مخالفة واضحة للآية الكريمة "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا"، والزوج هو الذكر والأنثى
كما أن من النقاط الخلافية أيضا، شرعنة الإجهاض وإزالة عقوبة الزنا، والتحريض في تربية الأولاد والبنات إلى اللجوء إلى المحاكم للشكوى عند الاختلاف حول المنهجية القائمة للتربية، في التعنيف عند الخطأ، والخروج عن طوع آبائهم واختيار سكن مستقل
والسؤال هنا لماذا لا تذهب السلطة إلى الانسحاب من اتفاقية سيدوا، وتعود إليها بعد عام او أكثر وبتحفظات مماثلة للتحفظات التي أبدتها 62 دولة، تحفظ ماء وجهها وتحفظ بنيتها الاجتماعية والدينية والأخلاقية من هذا الانهيار، إلا إذا كانت هناك ارتباطات هيكلية متعلقة بقروض أو مشاريع أو استحقاقات دولية، سواء صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي للانشاء والتعمير أو منظمة التجارة العالمية، وهنا نكون قد دخلنا مرحلة خطيرة من مقايضة المصالح بالاخلاق والدين والثرات
فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد سحبت التوقيع من اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية عام 2000 وكذلك روسيا انسحبت من ذات الاتفاقية عام 2016 فإنه بإمكاننا سحب التوقيع من اتفاقية سيداو أيضا وبكل جرأة وشجاعة