عندما تكون أسيراً في السجن تكون لك أمنية واحدة وهي الحرية، وعندما تمرض داخل السجن لا تُفكر بالحرية وإنما بالصحة فالصحة تسبق الحرية، فمن يمتلك الصحة يمتلك الأمل ومن يمتلكه يملك كل شيء فالصحة أجمل ثوب يرتديه الأسير، ولكن عنصرية السجان سلبت ثوب عافية الأسرى، ومن الأسرى التي سلبت عافيتهم الأسير “ناصر ابو حميد” الذي يُعاني من ورم سرطاني على رئتيه وهو الآن في حالة مرضية صعبة وفي أي لحظة قد يُودع الحياة دون رؤية والدته فهو في حالة احتضار إما إنقاذه وإما شهادة.
همجية السجان تجعله يموت الموت البطيء مثل العشرات من الأسرى المرضى الذين يعانون من ويلات الوجع والإهمال الطبي في سجون الاحتلال، لتعذيبهم وتعذيب أقاربهم فأم “ناصر أبو حميد” لم تتوقف عن البكاء لحظة واحدة وهي تُنادي فلذة كبدها، وتصرخ “فلذة كبدي قطعة مني “ناصر أبو حميد” يا قرة عيني يا ثمرة فؤادي، ولدي الغالي نور دربي، سنين قد طالت وأنت بعيد عني حرمك السجان مني. فلذة كبدي اسمعني اصبر قليلاً فبعد العسر تيسير، فاصبر فإن أشد ساعات الليل ظلمة هي تلك التي تسبق طلوع الشمس، فالصبر مر ولكن عاقبته جميلة.
يا ثمرة فؤادي كن شجاعاً ولا تحزن تحمل شقاء المرض ولا تقل إن الملل راودك فصبرك على محنتك هو إيمانك بالله بان الفرج قريب. فطول البال تهد الجبال فكن كالطود والجبل الراسخ وإلعق الصبر حتى تبلغ المجد. فالصبر فلاح وللغد عز، ها هي مشاعر الأم لا يتحملها أي أم في العالم.
تناشد والدة الأسير “ناصر ابو حميد” كل المؤسسات الرسمية والشعبية والحقوقية والمحلية والدولية والجمعيات التي تُعنى بشؤون الأسرى وفي مقدمتها لجنة الصليب الأحمر، لأنها الوحيدة القادرة على دخول غياهب السجون بضرورة التدخل الفوري لإنقاذ ولدها ” ناصر” والضغط على الكيان الصهيوني من أجل الإفراج عنه وإيجاد علاج جذري لمرضه.
تناشد بإنقاذ ولدها فهي تشعر بفراغ القلب وأحشائها أخذت منها، فصوتها يزلزل القلوب والضمائر لا تنام الليل وهي تفكر، جسدها ناطق متوقف. اصبري يا أم ناصر فابنك بطل الأبطال يوما ما سيسر خاطرك، ادعِ الرحمن لعل نهاية طريق الغرفة المعتمة نوراً وحرية.
هاهي سياسة الاحتلال العقيمة فاقت الخطوط الأحمر حول الأسرى المرضى ولا تلتزم باتفاقية جنيف الرابعة (المادة 90,91) والتي كفلت حق العلاج والرعاية الطبية وتوفير الأدوية المناسبة للمرضى، فناصر أبو حميد يعيش وضعاً استثنائياً صعباً في السجن “المشفى الإسرائيلي” والاحتلال يستمر بالمماطلة في علاجه والافراج عنه. فإلى متى العبث والاستهتار بحياة الأسرى المرضى؟ ومتى سيوقف الاحتلال الموت المؤجل بحقهم؟ ان أم “ناصر” تناشد الجميع أن ينظروا إلى ابنها بعين الرأفة لدعمه ومساندته والوقوف إلى جانبه.
لذا يجب الاهتمام بملف الأسرى المرضى وإنقاذ حياتهم من العبث والاستهتار المتعمد من قبل إدارة السجون، ووقف سياسة الموت المؤجل بحق الاسرى الذي يخالف الأعراف وكافة الشرائع السماوية والأرضية التي احترمت حرية وآدمية الإنسان وكرامته.
قضية الأسرى المرضى وبالتحديد قضية “ناصر ابو حميد” من اصعب القضايا الحالية فهي قضية وطن تحتاج الى اسناد وان يصبح هذا الإسناد ثقافة في عقول أبناء الشعب الفلسطيني والعربي، وقضيتهم بحاجة الى التفاف جماهيري يُساعد في نُصرتهم.
قضية الاسرى المرضى فاقت الخطوط الحمراء حيال الانتهاكات بحقهم، من قمع وظلم وإهمال وعزل عنصري فاشي، ومن ابرز هذه الانتهاكات التي يتعرض لها الاسرى المرضى:-
الإهمال الطبي المتعمد والبطء في تقديم العلاج اللازم للاسرى المرضى، ومعالجة الاسرى المرضى بشكل عام بقرص الاكامول وقد لا يتلائم هذا القرص لكافة اشكال الامراض التي يعاني منها الاسرى المرضى، فمريض السرطان بحاجة لعلاج كيماوي وصور طبقية، ولا يتواجد أطباء اختصاصيين داخل السجن، ناهيك عن عدم توفر المستلزمات الطبية الخاصة للاحتياجات الخاصة، وعدم توفر اغذية تتناسب مع مرضى السكري، والضغط، والقلب، والكلى، وتعاني الأسيرات من عدم وجود أخصائية أمراض نسائية، بالاضافة الى عدم توفر طبيب اطفال للاسرى الاطفال.
دور المؤسسات الدولية والصليب الاحمر:-
يُحتم على كل من المنظمات والمؤسسات الحقوقية والصحية وعلى رأسها الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلاحدود والمؤسسات الحقوقية الدولية متابعة احوال الاسرى المرضى باتجاه تحقيق أدنى متطلبات الحياة وفق معايير حقوق الإنسان ومتطلباته الإنسانية ويتمحور دورها وفق التحرك التالي:-
1. الضغط على الاحتلال من اجل توفير الرعاية الصحية الكاملة للأسرى المرضى.
2. ارسال مندوبين طبيين لمتابعة الحالات المرضية الصعبة وعمل الإجراءات الطبية اللازمة.
3. تنظيم وفود طبية دائمة لتوثيق الحالات المرضية والأمراض بين المعتقلين داخل السجون الصهيونية.
4. توفير المستلزمات الطبية والعلاجات اللازمة بشكل دائم وإدخالها للأسرى.
حق الاسير في العلاج:-
حق الأسير في الحصول على العلاج وان تجري له فحوصات دورية وبانتظام مرة كل سنة حسب المادة في اتفاقية جنيف الرابعة (م90,91) والتي كفلت حق العلاج والرعاية الطبية وتوفير الأدوية المناسبة للأسرى المرضى.
المطلوب:-
ما يجري داخل قضبان المعتقلات من إذلال ومجاوزة لكل أعراف أهل الأرض وديانات السماء والاتفاقيات والمواثيق الدولية بحق الاسرى المرضى، يُحتم على الجميع اتباع سياسة أعمق وأقوى ورؤية ممنهجة للاهتمام بالأسرى المرضى، وما يجري لناصر ابو حميد فاق الخطوط الحمراء .
على الصليب الأحمر ان يستعمل أسلوبا ضاغطا ضد الاحتلال ويتحمل مسؤولية اكبر تجاه الأسرى المرضى، ويجب استنهاض الطاقات وأيدي العمل الحقوقي والانساني من اجل دعم وإسناد الأسرى لانتزاع حقوقهم من أنياب السجان.
استمرار مماطلة الاحتلال بتقديم العلاج يستدعي من المجتمع الدولي وقفة جادة بتحمل مسؤوليته تجاه الأسرى والأسيرات المرضى وان ينفذ المواد الذي أقرها لحمايتهم وحماية حقوقهم.
ختاماً:-
على الجميع أن يتركوا ألوانهم وان يجعلوا ضميرهم مرجعهم ومصدرهم لرفع ذات الإنسانية في نفوسهم ليعملوا بما يليق بكرامة الأسرى، فهم الشموع التي لا تنطفئ والخيوط الذهبية التي تنبعث من شمس الحرية وحجارة الصوان لإنارة طريق الظلام.
فالقلم يعجز عن الكتابة من شدة الألم، فللاسرى سلام ولن يطول الانتظار فالصبح آت لا محالة وسيشرق فجرهم وشعاعهم، وسيضيء الشمع فرحاً لان رؤوسهم مرفوعة وفلسطين اكبر مثال وستبقى قضيتهم رمز الصمود والإصرار وسيستمدونها من الأحرار خلف القضبان.