في أعماق المحيطات كلما تعمقنا في المناطق المظلمة يبتعد الضوء وأشعة الشمس كما تتضاءل الرؤيا إلى أن تنعدم، وكذلك المجتمعات الإنسانية (النفوس البشرية) في الاحتراف السياسي وفي كل عصر تتكرر التجربة ويكون التركيز على مختلفات القضايا ونماذج الثقافة المتنوعة والمصالح والمقاعد والمال من عصر إلى عصر.
تزداد العتمة ومستويات الخطر في أعماق كل شيء وأعقدها أعماق الإنسان، ولأن السياسة تقود المجتمعات فتحمل في أعماق ممارسيها تناقضات ضميرية تتراجع فيها القيم والمبادئ والحالة الضميرية شيئا فشيئا عند نقطة الاحتراف السياسي لتتقدم المصالح والعنف والمؤامرة والغوص أكثر في عتمة دهاليز السياسية.
كلما تعمق الإنسان في السياسة تبدأ انقباضات حويصلات الأمان القادرة على منح السلامة يتبعها بعد عمق معين ضغوطات المسافة التي قطعها السياسي بخلافاته أو الولوج في مؤامرات قد تودي بحياته تماما مثل حويصلات الهواء الرئوية التي تبدأ تتقلص وتنقبض عند الغواصين بعد الغوص في ماء البحر أو المحيط لما بعد عمق ثلاثين مترًا وهي حقيقة علمية يمكن مجازًا مقارنتها بجرائم العمل السياسي فالغائص تحت الماء بعد ثلاثين مترًا تنقبض تلك الحويصلات الرئوية ولم يعد مكانا فيها لوجود الهواء وعندها يموت حتما الغاطس عميقا تحت الماء بعد الثلاثين مترا.
السياسة هي بحر أو محيط وهنا أتحدث عن السياسة وممارساتها وأسرارها وخباياها عند السياسيين المحترفين والخبراء وحاملي جينات الإجرام السياسي غير المكشوف وليس ما يسمونه سياسة وسياسيين عند غالبية مدعي العمل السياسي في بلادي، فقلائل هم أولئك السياسيون المحترفون في كل عصر في أي مجتمع وهم الذين أتحدث عنهم وليس كما أيامنا هذه فكل من يكتب عالفيسبوك أو يكتب مقالا أو ينتظم في تنظيم ما، أو حتى من يتقلد منصبا فليس شرطا في بلادي أن يكون سياسيا محترفا وغالبا من ذوي المناصب الهمبكة.
من يسمون أنفسهم سياسيين في بلدنا وهم غالبية العاملين في العمل الوطني أسميهم مناصرين أو مشجعين لفريق كرة قدم في أحسن الأحوال وأشهر الأحزاب وليسوا بسياسيين محترفين حتى لو ألف الواحد منهم كتباً في الثقافة والسياسة تلك مؤلفات أو بالأحرى تجميعات يغلب عليها القص واللصق وسرقة الأفكار وادعاء الفهم السياسي ولعل أكثرهم مهزلة هم من يستضافوا كمحللين وخبراء سياسة، فلا الضيف، ولا المستضيف، ولا حتى موجه القناة وبرامجها في الأصل يعرف سياسة، ولكنها موضة والجمهور غايب فيلة محدود الثقافة والإدراك السياسي، وكله تشبه بموضة عصر الإعلام الفيسبوكي وصفحات التعري والتوك توك لها خاصية جذب جمهور متعطش للجنس والممنوعات هو أيضا متعطش للبرم السياسي الأجوف الذي لا يمت بصلة للسياسة ودهاليزها ومؤامراتها فالسياسة أول ما تعني المؤامرة والإجرام والخداع ومفارقتها الدائمة تنتهي بالغوص أكثر من ثلاثين مترًا حين يلقى غالبا محترفوا السياسة خنقهم أو حتفهم كما غواصي المحيط ..
احتراف السياسة في بلادنا مقامرة بالحياة قبل المغامرة والشجاعة، إنهم مساكين دون أن ينتبهوا فالفائز منهم واحد من مليون لأن من يصبح سياسيًا محترفًا فهو إما قاتلًا أو مقتولًا.