كثيرًا ما يصدمك أحدهم، معبرًا عن يأسه بقوله «راحت البلاد» في وصف مشهد فلسطين وتكاثر المستوطنات المستعمرات، وقوة المستعمرة، وامتداد نفوذها، وتسللها إلى الجسم العربي والإسلامي والمسيحي بمظاهر التطبيع والقبول وتبادل المصالح والعناوين، بما يوحي لا أمل لمستقبل فلسطين في مواجهة هذه المعطيات الكارثية الثقيلة التي يصعب على الإنسان نفيها، أو عدم اعتبارها، أو التقليل من تأثيرها، فلسطينياً، أردنياً، عربياً، إسلامياً، مسيحياً ودولياً.
ويعلق أحدهم على الجهد الأردني، ويكاد تفرده في دعم وإسناد جدي لفلسطين وهويتها وحضورها والأمل بمستقبلها، بل إنه يُشكل رأس حربة سياسية من أجلها، وربط مصالحه وأمنه واستقراره وتطلعاته باستعادتها وحقها في الحياة، يُعلق أحدهم على الجهد الأردني ونشاطه وتصريحات قادته من رأس الدولة إلى وزير الخارجية ورؤساء المؤسسات الحكومية والنواب والأعيان والأحزاب بقوله: «أمل إبليس بالجنة»، تأكيداً على اليأس والقنوط وضيق الأفق وغياب الأمل.
المستعمرة بأدواتها وجيشها وأجهزتها ومستوطنيها نجحوا إلى الآن في احتلال كامل خارطة فلسطين، وهل فرنسا احتلت نصف أو ثلثي الجزائر، وبريطانيا تجاوزت عدد مستعمراتها الخمسين دولة، والفيتنام واجهت ثلاث إمبراطوريات عظمى: اليابان وفرنسا وأميركا، والأمثلة عديدة لا تحصى، ولكن شعوبها الفقيرة الضعيفة أمام قوة مستعمريها وتفوقهم، انتصروا بصمودهم وتضحياتهم ونضالاتهم، وهذا هو الأساس والمهم وهو عنوان الفشل للمستعمرين الذين تمكنوا من احتلال البلاد، ولكنهم لم يتمكنوا من هزيمة الشعوب التواقة للحرية والاستقلال والكرامة.
المستعمرة احتلت فلسطين ولا زالت، وتتوسع مستوطناتها الاستعمارية، ولكنها فشلت في طرد كل الشعب الفلسطيني، طردت نصف الشعب الفلسطيني وبات لاجئاً خارج فلسطين، ولكن نصفه الآخر بسبعة ملايين نسمة تقريباً موجود، صامد، صابر، ملتصق حتى نخاع عظمه، بهويته الوطنية، بأرضه، بقوميته العربية، بوطنه، بإسلامه ومسيحيته في مواجهة الأسرلة والعبرنة والصهينة والتهويد، وهذا هو العنوان الأول والأكثر أهمية كخطوة أولى في مسيرة الألف ميل، مسيرة الحرية والاستقلال وانتزاع الكرامة لفلسطين وشعبها.
احتلوا فلسطين تدريجياً، وليس بالضربة القاضية، وستعود فلسطين تدريجياً لشعبها لأمتها لحريتها كما تستحق، وكما يجب أن تكون.
لا ما راحت البلاد، بل ستعود، كما عادت الجزائر واليمن والسودان ومصر وتونس والأردن والخليج العربي لأهلها الذين ما زالوا يدفعون ثمن البقاء والصمود، حيث لا مفر من المواجهة، كما وقعت الانتفاضة الأولى وحققت ما حققت في الإقرار الإسرائيلي والاعتراف بالشعب الفلسطيني وبمنظمة التحرير وبحقوق الشعب، وعليها وعلى نتائجها عاد الرئيس الراحل ياسر عرفات ومعه من كان معه، وحينما وصلوا إلى الطريق المسدود وأغلقت أمامهم فرص التدرج والمرحلية التراكمية بعد مفاوضات كامب ديفيد 2000، وقعت الانتفاضة الثانية، التي أجبرت شارون على الرحيل من قطاع غزة وفكفكت المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال عن القطاع.
الطريق مغلق، والأفق مسدود، والاستيطان متواصل، ولكن الشعب موجود ومظاهره الكفاحية لا تتوقف ولذلك لا وألف لا ما راحت البلاد، بل ستعود، ستعود، وستعود.