يبدو بأن كامل المنطقة محتقنة وانفجار الأوضاع وحدوث معارك محدودة او انفجار شامل على شكل حرب إقليمية، رهن بالتطورات التي تحدث في الميدان، فلا ترسيم بحري في لبنان تحقق وفرص العودة للاتفاق النووي مع طهران باتت تتلاشي وتبتعد، ولعل هناك خشية وقلقا أمريكيا وعربيا رسميا من أن انفجار الأوضاع في الضفة الغربية، قد يشكل خطرا على أمن دولة الكيان، ولذلك تسارع تلك الأطراف لتنسيق خطواتها ...فهناك ضغط اسرائيلي- امريكي - عربي رسمي على السلطة الفلسطينية، لكي تقوم اجهزتها الأمنية بدور أكبر واوسع في لجم ومنع تمدد وتطور وتصاعد اعمال المقاومة في الشمال الفلسطيني ،وبالذات جنين ومخيمها ونابلس ومخيماتها وطوباس وقباطية، حيث الخوف من فقدان السيطرة الأمنية لجيش الاحتلال وأجهزة امن السلطة، يعني بأن "بقعة الزيت" ستزداد تدحرجاً الى كل مساحة فلسطين التاريخية، وبما يوحد ساحات المقاومة الفلسطينية وتشابكها مع محور المنطقة والإقليم، والاحتلال أكثر ما يخشاه حرب مفتوحة مع المقاومة الفلسطينية عنوانها القدس والأقصى، فهذا العنوان يخرج المجابهة والمواجهة من إطارها الفلسطيني نحو الإطارين العربي والإقليمي، ومن شأن ذلك أن يغير في معادلات المنطقة والإقليم، ويطيح في العلاقات التطبيعية الهشة بين العديد من دول نادي التطبيع العربي بشقيه القديم والحديث، هذا النادي الذي يبدي حرسه على أمن دولة الكيان أكثر من الكيان نفسه....دولة الكيان هي بطبيعتها وتكوينها دولة عدوانية، تمارس كل اشكال القمع والتنكيل وترتكب الجرائم بحق شعبنا الفلسطيني بشكل يومي ومتواصل ...حيث مسلسل الاغتيالات والتصفيات والاعتقالات والعمليات الاستباقية "جز العشب" و" كاسر الأمواج" والاقتحامات والحروب الإنهاكية على بؤر وبنى وهياكل قوى المقاومة لا تتوقف ..ناهيك عن الاستيطان المتصاعد بشكل جنوني وما يرافقه من اعمال بلطجة وزعرنه من قبل المستوطنين، في دور مكمل للسياسة العدوانية بحق شعبنا الفلسطيني ...كل ذلك يترافق مع انسداد افق سياسي وموقف علني رسمي لدولة الكيان، برفض أي حل سياسي يقوم على إنهاء الاحتلال، او الاعتراف بالحد الأدنى من حقوق شعبنا الفلسطيني ،ما يعرف بحل الدولتين الذي لم يترك المحتل أي أرض لكي يكون هناك فرص لتطبيقه عليها .
يبدو بأننا سنكون امام موجة وحالة من التصعيد ستتركز في مدينة القدس، حيث ان فترة الأعياد اليهودية تقترب ، رأس السنة العبرية 26 و27/9 /2022 وما يعرف بيوم الغفران 5/10 وعيد العرش اليهودي من 10- 17 /2022 ،هذه الأعياد تمهد لها الجماعات التلمودية والتوراتية بأوسع واكبر حملة اعلامية مكثفة على صفحات ومواقع تواصلها الاجتماعي، للقيام بعمليات اقتحام واسعة للأقصى" جبل الهيكل" ،وتمهد لذلك بمسيرات استفزازية في البلدة القديمة من القدس ورقصات تلمودية على أبواب المسجد الأقصى، والسعي للنفخ في البوق، كما قام به المتطرف "يهودا غليك" في مقبرة باب الرحمة الخميس الماضي.
الجماعات التلمودية والتوراتية في تلك الأعياد، ستسعى ليس فقط للقيام بعمليات الاقتحام بأعداد كبيرة، بل ستعمد الى العمل على إدخال مقتنيات الهيكل الحيوانية والنباتية من سعف نخيل واوراق صفصاف وثمار حمضيات الى ساحات الأقصى، وكل ما يتعلق بالصلوات التلمودية من شال الصلوات الى اللفائف السوداء وكتاب الأدعية وغيرها ،وسيعملون على أداء طقوس تلمودية وتوراتية علنية في الأقصى، بما في ذلك ما يعرف بالسجود الملحمي، إنبطاح المستوطنين على وجوههم، كأعلى شكل من أشكال الطقوس التلمودية والتوراتية، وسيعملون على أداء صلوات جماعية علنية، وقراءات من التوراة وسفر "ايستر"، والنفح في البوق " الشوفاز" ،ناهيك عن رفع علم دولة الكيان في الأقصى والرقص والغناء في ساحاته،مطلقين ومرددين الشعارات العنصرية" الهيكل بأيدينا" ،"عدنا للهيكل" ،حان وقت الصعود ل" الهيكل و" الموت للعرب" وغيرها من الشعارات العنصرية، وستجري كل تلك الاقتحامات والطقوس والصلوات التلمودية والتوراتية ،في ظل حماية شرطية وعسكرية كبيرة من جيش دولة الكيان، والذي سيعطي الإذن لتلك الجماعات بعمليات الاقتحام، وطبعاً سيتقدمها حاخامات وزعران متطرفين من امثال بن غفير وسومترتيش وغليك وغيرهم، فموعد الانتخابات التبكيرية الإسرائيلية الخامسة يقترب، ولذلك ستتصارع وتتقاتل الأحزاب الإسرائيلية، بمختلف ألوانها الحزبية من أجل الحصول على اصوات تلك الجماعات التلمودية والتوراتية "الداعشية اليهودية"،من أجل كسب المزيد من الأصوات وزيادة تمثيلها في "الكنيست" البرلمان الإسرائيلي.
والجماعات التلمودية، ستحاول في تلك الاقتحامات تكريس التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى، وفرض وقائع تغير من الوقائع الدينية والتاريخية والقانونية للأقصى، وبما يعمل على ايجاد قدسية وحياة يهودية في الأقصى ،الشراكة في المكان، ناهيك عن السيطرتين الأمنية والإدارية على الأقصى، وتهويد كامل المنطقة المحيطة بالأقصى، بطرد وترحيل العائلات المقدسية المجاورة للأقصى، وايجاد فاصل ما بين الأقصى ومحيطه، من خلال تهويد بلدة سلوان والقصور الأموية وحائط البراق.
ان فترة الأعياد اليهودية وما يرافقها من اوسع عمليات اقتحام للأقصى ومحاولة تكريس وقائع جديدة مكانية وزمانية، من شأنها ان تدفع نحو انزلاق الأمور الى مواجهات واشتباكات واسعة تتجاوز حدود مدينة القدس ومساحة فلسطين التاريخية، اذا ما جرى على سبيل المثال، نزع القدسية عن ساحات الأقصى، او ايجاد موطىء قدم لتلك الجماعات في الأقصى، ونحن ندرك تماماً بان حكومة الكيان واجهزتها الأمنية ومستوياتها السياسية، ستسبق تلك الاقتحامات الواسعة، بحملة اعلامية مكثفة، كما حدث في شهر رمضان الماضي، بأن جهات فلسطينية متطرفة، تعمل على تصعيد الوضع في القدس والأقصى، وبأن الجماعات التلمودية والتوراتية، هي "حمام سلام" و"حمل وديع"، تأتي من اجل الصلاة وممارسة طقوسها التلمودية والتوراتية.
هذه الجماعات التلمودية وبضوء أخضر من مستواها السياسي والأمني، اذا ما حاولت ان تكرس واقعاً جديداً في الأقصى، تقسيم زماني ومكاني، سيقود ذلك ربما الى انفجار اوسع وأشمل من مساحة فلسطين التاريخية، فالأقصى خط احمر يمنع العبث به، ونحن نراهن على شعبنا وجماهير امتنا العربية والإسلامية، وكل الأنظمة الوطنية الشريفة، وقوى المقاومة العربية والإسلامية، وكل من قالوا واكدوا بانهم لن يتركوا الأقصى والقدس لوحدها، وبان العبث بمصير الأقصى والقدس يعادل حرباً إقليمية، وبأن هناك محوراً للقدس سيدافع عنها.