قد يعتقد البعض أن ارتفاع الأسعار التي تشهدها المنطقة بشكل جنوني نتيجة لارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن الحقيقة تكمن في العقوبات التي تنفذها الولايات المتحدة الأميركية ومن خلفها أوروبا والتي رهنت اقتصادها ومصيرها بيد الولايات المتحدة الأمريكية.
يكفي أن نرى ما قامت وتقوم به الولايات المتحدة الأمريكية بحجة تنفيذ عقوبات على روسيا من خلال:
١ - رفع الفائدة، حيث يتم كل شهر زيادة الفائدة من قبل البنك الفدرالي المركزي الأمريكي مما أثر على تهالك وانخفاض أسعار العملات المحلية وبالتالي ارتفاع الأسعار، و حتى أوروبا الحلف المركزي للولايات المتحدة الأمريكية كانت من أكبر المتضررين، حيث أصبح سعر صرف اليورو أقل من الدولار الأمريكي، إضافة للتضخم الكبير التي تشهده دول الشرق الأوسط قاطبة.
٢ - إعاقة تصدير القمح، حيث أن روسيا وأوكرانيا يعتبران أهم مصدر للقمح في العالم ويستحوذا على ثلث ما يتم تصديره للقمح في العالم، وتعتبر دولنا العربية من أكثر الدول التي تستورد القمح الروسي والأوكراني، ورغم إبداء روسيا رغبتها في تصدير القمح الروسي والأوكراني للعالم والتبرع بجزء منه للدول الفقيرة، لأنها تدرك أنه يعتبر أهم مصدر للأمن الغذائي الإنساني، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيق عملية التصدير بحجة العقوبات على روسيا.
3- شراء الطاقة الروسية، رغم ما تدعيه الولايات المتحدة الأمريكية برفض استيراد النفط الروسي وتلزم دول من أوروبا بذلك وبعض حلفائها في المنطقة بقصد الضغط على روسيا، إلا أن الكثير من التقارير تفيد بأن الولايات المتحدة الأميركية تشتري النفط الروسي وتصدره للتخزين في الولايات المتحدة الأمريكية عبر مافيات شكلتها لإنجاز هذه المهمة، دون أن يظهر النظام الرسمي الأمريكي في المشهد.
إن المتابعة لهذه الملفات الثلاث يدفع القارئ والمتابع للوصول إلى حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الرابح الوحيد من هذه الحرب والعقوبات، فقد رفع من مستوى عملتها وستتخلص تدريجياً من التضخم في حين سيدفع الثمن أوروبا ومنطقتنا العربية، لقد أزعج الموقف العربي الرافض لزيادة ضخ النفط الولايات المتحدة الأمريكية ولذلك قررت تصفية الحساب عبر الحرب العالمية الاقتصادية، وهي أشرس الحروب لأنها تقتل المقومات الإنسانية وتدفع لتفكك الدول دون أن تخوض الولايات المتحدة الأمريكية أي حرب عسكرية.
كل الادعاءات حول تأثير العقوبات الغربية على روسيا غير صحيحة فالاقتصاد الروسي لم يتضرر بشكل كبير، بل زادت قيمة الروبل الروسي، وفي حين أنه بسبب هذه الأزمة يوجد نقص في المنتجات في الدول الأوربية والعربية، تجد كل المنتجات حتى الأمريكية تملأ السوق الروسي وهذا يدل على التظليل الأمريكي للعالم.
نحن العرب عانينا من انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي الذي أنتج عالم جديد تقوده الولايات المتحدة الأميركية ونأمل بظهور قوى تعيد التوازن في العالم وتدعم قضايانا وخاصة القضية الفلسطينية، رغم رفضنا للحروب وللدماء و للدمار ولكن معركة الوعي تعتبر من أهم مواجهة التظليل الأمريكي.
وفي الخلاصة نتمنى أن نكون كعرب لاعب في صناعة العالم القادم وإلا نكون تحصيل حاصل كما حصل في الحرب العالمية الثانية وتشكيل نظام عالمي عانينا منه بشكل كبير.
هذه الحرب العالمية الاقتصادية نحن نمتلك سلاح الطاقة فيه وهو أهم سلاح في هذه الحرب، إذا أحدنا استخدامه كنا جزء مهم من العالم القادم، الشتاء القادم هو الموعد الحاسم للعقوبات الغربية على روسيا، خاصة أن أوروبا ستكتشف كيف ورطتها الولايات المتحدة الأمريكية وستتخلى عنها عندما نرى الربيع الأوروبي يملأ شوارع أوروبا لوقف القطعية مع روسيا، وعلينا نحن كعرب ألا نعطي طوق نجاة للولايات المتحدة الامريكية، وحتى الآن العرب يديرون هذه السلاح بحنكة وترقب لتحقيق الهدف.