في خطاب طويل ومؤثر أمام هيئة الأمم المتحدة أعلن الرئيس محمود عباس أنه طفح الكيل وأصبح لزاما علينا وضع النقاط على الحروف وتحميل إسرائيل وأمريكا وبريطانيا مسؤولية ما حدث ويحدث للشعب الفلسطيني، مطالبا بالاعتذار للشعب الفلسطيني وتحمل متطلبات ما يترتب على ذلك من تعويض مادي وسياسي وأخلاقي وبما يقرره المجتمع الدولي.
الرئيس في خطاب مشحون بالعاطفة الصادقة والحرقة الحزينة من تجاهل الأمم المتحدة لقراراتها مطالبا إياها بتنفيذ فقط قراري 181 وقرار 194 لأن موافقة إسرائيل عليهما كانت شرط من هيئة الأمم لتعترف في إسرائيل عام 1948، من أصل أكثر من 770 قرارا صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الرئيس قالها بوضوح بأن الالتزام بالاتفاقيات من طرف واحد أصبح غير ممكن، وأعلن مرة أخرى عن وجود قرارات المجلس المركزي على الطاولة للتنفيذ، وهي قرارات تدعو لوقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بدولة إسرائيل وإلغاء اتفاقية "أوسلو" التي لا تلتزم إسرائيل ببنودها، كما طالب بالحماية الدولية للشعب الفلسطيني وأكد على الاستمرار في تقديم الأوراق للانضمام لمختلف المنظمات الدولية، وأعلن عن نية دولة فلسطين تقديم طلب عضوية كاملة لمجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطين عضوا وليس دولة بصفة مراقب، رغم التهديد البريطاني والأمريكي باستخدام حق النقض الفيتو في مجلس لإفشال طلب العضوية.
الخطاب طويل سرد فيه تاريخ الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني منذ النكبة وما قبلها وحتى يومنا هذا، خطاب عاطفي مليء بالخذلان من المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة بسبب تجاهلها للقضية الوطنية الفلسطينية وعدم محاسبة إسرائيل التي تحصل على غطاء أمريكي شامل يعطيها تحصين ضد أي عقوبات مما جعلها دولة فوق القانون.
ورغم ان الخطاب قوي وكله وقائع يعرفها المجتمع الدولي إلا انه لم يعلن عن قيام دولة فلسطين ولم يعلن سحب الاعتراف بدولة إسرائيل، أي أن اتفاق "أوسلو" لا يزال هو الحاكم في العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية.
الرئيس عباس لم يحدد جداول زمنية فيما يتعلق بطلب تغيير صفة العضوية من دولة مراقب إلى دولة كاملة العضوية، ولم يحدد مواعيد لتنفيذ قرارات المجلس المركزي، وأكد على رفضه للعنف واستمرار محاربته للإرهاب.
مرة أخرى يخاطب الرئيس هيئة الامم بطريقة وكأن الامم المتحدة صاحبة قرار في شيء، في حين القادر على فرض وتنفيذ أي قرار هو مجلس الأمن الذي يتحكم فيه الفيتو الأمريكي والبريطاني، لذلك يبقى الخطاب محاولة لاستعطاف العالم أكثر من أي شيء آخر وهذا بطبيعة الحال غير ممكن لأن مصالح الدول هي اللاعب الرئيسي في العلاقات السياسية ولغة الحق والعاطفة بلا قوة تسندها على الأرض عبر تحرك جماهيري شعبي يواجه الاحتلال، وعبر وحدة وطنية مستند لبرنامج وطني أكثر تطورا بما أن الرئيس طالب بتطبيق قراري 181 "قرار تقسيم فلسطين" وقرار 194 قرار حق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، بمعنى أن شروط الرباعية لم تعد قائمة وفقا لذلك، فالقرارات أعلاه قد تصبح هي الحد الأدنى لاتفاق بين مختلف القوى والفصائل الفلسطينية.
الآن المهم ما بعد الخطاب، ما هي الخطوات التي يجب أن تحدث فورا؟ وكيف ستكون حوارات الجزائر فيما يتعلق بالمصالحة؟ لأن الأفعال هي من ستحكم على ما تم قوله بنبرة قوية وتحدي واضح خاصة بما يتعلق بعدم الإصغاء لمن يريد أن يملي على الفلسطينيين شيئا، بمعنى أن قرارنا مستقل، المصالحة ودفن الانقسام ستكون المعيار.