قيام الجزائر بتوجيه دعوة رسمية إلى جميع الفصائل الفلسطينية إلى زيارة البلاد خلال الأسابيع المقبلة، يأتي كمحاولة جديدة لرأب الصدع، وتقريب وجهات النظر خاصة بين فتح وحماس، فالجزائر لها دور وطني تاريخي ومستمر ومشهود دائما لخدمة القضية الفلسطينية، وهي تفتح ذراعيها للكل الفلسطيني، وتفتح اروقتها لاستقبالهم استقبالا كريما، وتهدف الى محاولة تفويت الفرصة على دول عربية وإقليمية استغلت حالة الانقسام الفلسطيني لتفكيك وحدة الفلسطينيين وزرع بذور الخلاف بينهم. فقد وجهت الجزائر، منذ أسبوعين، دعوات رسمية إلى الفصائل الفلسطينية وعددها 15 للمشاركة في القمة العربية المرتقبة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر في عاصمتها الجزائر، حيث أطلقت عليها الأخيرة قمة فلسطين, ولأن القيادة الجزائرية جادة في مسعاها لحل الخلافات الداخلية الفلسطينية, وطرح قضية فلسطين برؤية جديدة بعيدا عن الخلافات الداخلية الفلسطينية في القمة العربية التي ستستضيفها الجزائر, واعادتها مجددا الى الواجهة العربية باعتبارها قضية مركزية للامة العربية والإسلامية, والتصدي لمسلسل التطبيع العربي المجاني مع الاحتلال الصهيوني والذي يضر بالقضية الفلسطينية ويحرمهم من حقوقهم التي اقرها المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية والاممية, الجزائر تعول على نقطتين أساسيتين من هذه الدعوة، أولا: أنها تحظى بقبول شعبي وفصائلي فلسطيني، ثانيا: أن الكل الفلسطيني يتفق على الثوابت الفلسطينية التي لا يمكن التنازل عنها نحو تحرير فلسطين كاملاً من الاحتلال الصهيوني, والقمة العربية قد تكون بداية الطريق في الوصول إلى اتفاق في المصالحة الوطنية الذي يعيد ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني ورص الصفوف لمواجهة مخططات الاحتلال ومؤامراته العدوانية تجاه شعبنا وارضنا ومقدساتنا, وهذا يتوقف على قدرة السلطة على التحلل من القيود الإسرائيلية والأمريكية والعربية التي تقيدها.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سبق ان قد أطلق مبادرة جزائرية، لاستعراض مستجدات القضية الفلسطينية وتعزيز آفاق تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، حيث أعقبها لقاء بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، بالجزائر، بمناسبة مشاركتهما في الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ 60 لاسترجاع الجزائر استقلالها الوطني. ويوم الأحد الماضي، أعلنت «حماس» وصول قيادة من «حماس» إلى العاصمة الجزائرية، تمهيداً لإجراء حوارات مع القيادة السياسة في الجزائر، حول مسار المصالحة الفلسطينية، قبل بدء حوار ثنائي مع قيادة فتح برعاية جزائرية. وأطلقت دول عربية منها جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية خلال السنوات الماضية، مبادرات عدة لإتمام اتفاق المصالحة الوطنية بين الحركتين إلا أن تلك المحاولات التي جاءت لتقريب وجهات النظر باءت بالفشل، فيما يرى مراقبون، أن عدم توصل الطرفين إلى الاتفاق كان نتيجة تدخلات خارجية وعدم وجود النية منهما لتحقيق ذلك, فما الآمال التي تعلق عليها القيادة الجزائرية مساعيها كي تنجح في تحقيق المصالحة؟, وحتى نكون واضحين فإنه وحتى هذا الوقت لم تظهر أي مستجدات من طرف قيادة السلطة لإنجاز المصالحة, ورئيس السلطة محمود عباس يطالب أولا باعتراف حماس بقرارات «الراباعية الدولية» وهو ما يمثل مسماراً قوياً في نعش المقاومة, فلا يمكن لاي فصيل وطني فلسطيني ان يقبل بقرارات الرباعية الدولية المبنية على تجريد الفلسطينيين من 78% من أراضيهم, وحرمانهم من حق العودة وتقرير المصير وإقامة دولتهم الفلسطينية على الأراضي المحتلة «عام 67 وعاصمتها القدس الشريف» حسب القرارات الأممية الدولية, كما ان حق شعبنا الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الصهيوني بكافة الطرق والوسائل هو حق اصيل لا تنازل عنه ولا يمكن المساومة عليه, او تعطيله طالما ان هناك احتلالاً قائماً فوق ارضنا.
هل يمكن اذابة جبل الجليد هذا من اجل تحقيق المصالحة الفلسطينية؟, وهل تستطيع الجزائر الشقيقة وقيادتها تحقيق هذا الامر وتخطي المستحيل؟, نحن نتمنى ذلك, ولكن تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية بالأمس في أروقة الأمم المتحدة, تدل على عكس ذلك تماما, فرغم أنه اعترف ان الاحتلال لم يلتزم بأي من بنود اتفاقية أوسلو, وتحدث عن الانتهاكات الإسرائيلية بحق أبناء شعبنا والجرائم المختلفة التي ارتكبها الاحتلال لكنه انكر على الفلسطينيين استخدام السلاح واللجوء لما اسماه «بالعنف» وتعهد بمحاربته, مطالبا بإجراء مفاوضات وقال: «نحن تواقون للسلام .. فدعونا لتحقيق السلام من أجل الأجيال القادمة وشعوب المنطقة.. نحن نريد السلام ونحارب الإرهاب في كل دول العالم ولدينا اتفاقيات مع 85 دولة لمحاربة الإرهاب وعلى رأسها أميركا»، وختم عباس كلمته بالاستجداء والتوسل فقال: «الاحتلال يجب أن ينتهي.. فلتحققوا السلام الشامل والعادل بدل أن يتحقق بمزيد من التضحيات.. انتظرنا طويلًا.. فهل لديكم حل؟ أريد حلاً؟!, فهل هذا الخطاب الاستجدائي يمكن ان يلتقي مع خطاب المقاومة, وهل ينتقل محمود عباس من أروقة الأمم المتحدة الى أروقة الجزائر برؤية واقعيه جديدة؟!.