كثيرة هي الأحداث المتتالية منذ هبة النفق، يوم ٢٥ أيلول سبتمبر عام ١٩٩٦ حتى يومنا هذا، لكن تلك الأيام الثلاثة لهبة النفق حفرت لنفسها مكانا خالداً في ذاكرة كل من عاشها.
هبة النفق، أصدق وأكثر التسميات عفوية والتي أطلقت على إحدى حلقات المواجهة المستمرة مع الاحتلال، والتي كلفت الفلسطينيين ٦٣ شهيداً وأكثر من ١٠٠٠ جريح، أطفال المدارس والشباب في غزة والضفة والقدس المحتلة، التحموا مع رجال السلطة الوطنية الفلسطينية في خطوط المواجهات دفاعا عن القدس والأقصى، حيث سقط عدداً من جنود الاحتلال قتلى، وفي نابلس استسلم آخرون لمقاتلي الأجهزة الأمنية.
في أيام الهبة التي استمرت ثلاث أيام لم تكن سوى راية فلسطين، فلا وجود لفصائل ولا خطابات ولا كلمة إلا لرئيس الشعب الشهيد الراحل ياسر عرفات.
كل ذلك كان حدثا عفويا صادقاً، رداً على تجرؤ الاحتلال على فتح نفق في القدس تأكيدا لإعلان ما يسمى سيادة الاحتلال على القدس والأقصى.
الاعتداءات الإسرائيلية تاريخياً لم تتوقف عن القدس أو محاولات تهويدها وتدنيس باحاته تارة بنفق أسفل مباني المدينة المقدسة وأخرى باقتحام شارون وجنوده وثالثة بمسيرات الأعلام وأخرى قادمة بذبح القرابين ونفخ البوق.
حلقات الصراع لن تتوقف، والواقع لم يتغير والشعب أيضا لم يتغير وسياسات الاحتلال لم تتغير، ربما غياب المؤسس والمناضل الأول ياسر عرفات هو الحدث الأبرز، لأن فتح تصدعت بفعل فاعل، ولا زالت تتعرض للتغييب، وغابت القضية الفلسطينية، وحل محلها علاقات الإقليم والمصالح الشخصية لبعض الصاعدين على أنقاض النضال والمناضلين، ثم غابت المواجهة وحضر التنسيق، غاب فيصل الحسيني وحضر حسين الشيخ، غاب بيت الشرق وحضر كثيرون بلا معنى أو هوية.
بعد ستة وعشرون عامًا على هبة النفق، أحضر الاحتلال وقطعان مستوطنيه عجولهم استمرارًا لنهج عدوانهم، ولا تزال القدس بكل كبريائها كما هي شامخة تنتظر وعدا حقا بأنها لفلسطين وللفلسطينيين رغم أنف كل من ينكر مجريات التاريخ والحاضر والمستقبل.