بات واضحا، أن رهان دولة الكيان العنصري على محاصرة "حراك الغضب الفلسطيني"، دخل في نفق معتم رغم كل ما سبقه، تهديدًا وتلميحًا، بل وعقابًا للسلطة الفلسطينية من خلال أبواب المقاصة، بعيدًا عن كونها تحاول "النأي بالذات" من تطورات الأحداث في الفترة الأخيرة.
حراك الغضب الفلسطيني، وبخاصة في جنين ونابلس عسكريًا وبعض من الخليل، لم يصب بتعب أو تباطئ، رغم جرائم الحرب المتتالية التي ينفذها جيش الاحتلال، من خلال عمليات اعدام ميدانية علنية، بدأت حكومة لابيد تتفاخر القيام بها، وتنشرها علانية، بعدما أدركت أنها وجدت التأييد الأمريكي والحماية الكاملة لها، من عقاب يطل برأسه في مجالات عدة.
ما حدث في جنين، يوم 28 سبتمبر 2022، في ذكرى يوم انطلاقة المواجهة الكبرى 2000، يؤكد بلا أي تردد أن حركة الفعل الفلسطيني تسير في خط تصاعدي، ليس مستقيما كما يراد ولكنه مستمر، ما يضع "الحكومة الفاشية" في تل أبيب تحت ضغط خارج الحسابات، بعدما اعتقدت أنها خرجت من الهدوء السابق بـ "بربح أمني"، زادها غطرسة سياسية عما كانت.
أحداث جنين الأخيرة، ورغم ما بها من جريمة حرب صريحة، كشفها الإعلام العبري مصورًا، لكنها دفعت بحراك سريع شعبي ربما هو الأوسع منذ فترة زمنية، لمواجهة الفعل الإرهابي لدولة الاحتلال وجهازها الأمني، وعل ذلك سيكون الأهم في سياق القادم.
واستباقا لما سيكون من فعل خارج الحسابات التقليدية للمواجهة والرفض للهدف المعادي، بتهويد الضفة والقدس، وتدمير الكيانية الوطنية الموحدة، مستغلين "الثغرة السياسية الكبرى"، التي تم صناعتها أمريكيا – إسرائيليا، المعروفة إعلاميا باسم "الانقسام"، تتجه دولة الكيان ومؤسساتها كاملة برسم مخطط مستحدث، لمواجهة الفعل الفلسطيني المستحدث.
ولعل تصريحات رئيس أركان جيش العدو الاحتلالي كوخافي يوم 28 سبتمبر 2022، ساعات بعد معركة جنين، وحراك شعبي بالضفة غضبا ووعيدا، أتت لتكشف ملامح المخطط العدواني الجديد ضد "الوطنية الفلسطينية"، وأدوات الاستخدام التي لم تكن يومًا سابقًا.
ما يلفت الانتباه في ملامح المخطط الاحتلالي الجديد، والتي كشفها رئيس أركان حرب جيش العدو، انها لا تقوم فقط على البعد الأمني العسكري، بل على بعد آخر يرتبط بصفقة التهدئة مع حركة حماس في قطاع غزة، والاستفادة منها بالضفة الغربية.
كوخافي تحدث بوضوح، أن القادم سيكون تطوير عمليات الإعدام ضد شخصيات ونشطاء من حركة فتح، وحركة الجهاد، من خلال الطائرات المسيرة للحد من قوة اندفاعة الغضب الفلسطيني، وتلك سابقة أن تستخدم طائرات لاغتيال في الضفة، ومقدما يسجل أن جرائم حرب في الطريق، وربما تصبح تلك التصريحات "وثيقة اثبات" في معركة الجنائية الدولية حول مسار جرائم الحرب التي تنفذها دولة الكيان.
تصريحات كوخافي، كشفت عن تطوير أدوات الاستخدام التي ستدخل في محاولات حصار "حراك فلسطيني" يتبلور ويتسارع، وربما يذهب الى منحنى يكسر كل ما تتحسب له "دوائر الأمن" في دولة الحكم الاحتلالي.
ملامح المخطط الاحتلالي القادم، حدد الجهات المركزية المستهدفة فعلا ومسمى، في الطرفين الرئيسيين في الفعل العسكري، ولذا لم يذهب الى التعميم في الاستهداف الاغتيالي القادم، بل حدد قيادات من فتح والجهاد، كرسالة ترهيب مسبقة.
ولكن، الجديد، وربما المرة الأولى التي يخرج فيها رئيس أركان جيش الاحتلال، ويكشف عن "تحييد" كامل لحركة حماس في المواجهة القائمة والقادمة، عندما استثناها من "المطاردة الاغتيالية الساخنة في الضفة، بقوله المباشر، "إذا لزم الأمر سيتم ملاحقتهم".
أقوال كوخافي، والتي لم يسبق لمسؤول أمني في دولة الكيان الحديث عنها علانية، تشير الى أن ابعاد الصفقة التي كشف عن مكونها رئيس الطغمة الحاكمة في تل أبيب يائير لابيد، في مقابلة مع وسائل إعلام عبرية وأجنبية يوم 25 سبتمبر 2022، لا تقف عند حدود قطاع غزة، والتهدئة المحدودة معها، بل هي تمتد الى الضفة الغربية، بأن لا تشارك حماس بأي عمل عسكري او حراك غاضب بشكل واضح.
تصريحات كوخافي تفتح الباب لكل التساؤلات الوطنية، عن الدور القادم لما سيكون من حماس بالضفة الغربية بعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة، وما هو مضمون الصفقة التي حدثت وما هو ثمنها السياسي، الى جانب تعزيز النتوء الكياني الإخوانجي في قطاع غزة.
ولذا، الاستعداد للمواجهة القادمة، وربما لن تطول، لا يجب أن يغيب عنها ما أشار له رئيس اركان جيش الاحتلال، كي لا تصاب حركة الفعل والمواجهة بعمليات غدر وطنية، من حيث حسابات العمل الذي سيكون ممرا إجباريا رفضا للتهويد وتدمير الكيانية الموحدة.
ملامح المخطط الاحتلالي، والذي لم يعد به كثيرا من الأسرار، يتطلب من قيادة فتح قبل غيرها، بحكم دورها ومسؤوليتها في المؤسسات الرسمية والأجهزة الأمنية أن تبدأ بفعل استباقي، وخاصة ما يتعلق بذاتها، وحدة وفعل ودور، وأن تذهب لفتح "ورشة وطنية" لكيفية المواجهة المشتركة، للمخطط الاحتلالي والصفقة الموقعة.
فتح دون غيرها، من يتحمل مسؤولية بناء "جدار وطني واقي" من الكل الفلسطيني الرافض للتهويد والرافض لـ صفقة البديل"، وأن تكسر "الجرة الانتظارية" كي لا يقال ليت الذي جرى ما جرى، فربما لن ينفع في حينها ندما سياسيا.
فتح دون غيرها، عليها أن تعيد كل حساباتها في الفعل، كي لا تكرر "خدمتها الكبرى" لمنح حماس أغلبية وهمية في انتخابات المجلس التشريعي يناير 2006، بفرقة وتصارع ذاتي صُنع أمريكيا – إسرائيليا لفتح الباب أم "خيارهم الخاص".
خيار الفعل والرد الثوري هو خيار الضرورة الكبرى، وكل رهان على خيار آخر ليس وهما فحسب، بل خدمة كاملة الأركان للمشروع الاحتلالي التهويدي والبديل، بعدما كشفت قيادة الكيان رؤيتها الكاملة عداء للشعب ودولته المستقلة.