استفاض الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في التنديد بالاستفتاء الذي أجرته روسيا وحلفاؤها في أربع مقاطعات أوكرانية، وبعد ذلك بالمرسوم الذي أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الاستفتاء مزيّف، ومخالف للقوانين والأعراف الدولية، ويعرّض آفاق السلام للخطر، هذا مختصر لما صرّح به غوتيريش، معبّراً عن موقف المؤسسة الدولية، المتهاوية، لأن ما تقوم عليه هذه المؤسسة، قد جاء وفق حصيلة الحرب العالمية الثانية، أما العالم اليوم فإنه بصدد انتظار منظومات قانونية جديدة بعد أن تضع الحرب العالمية الثالثة أوزارها.
غوتيريش يدافع عن النظام الدولي القديم، ويدافع عن مصالحه ووظيفته وعن القوة الدولية الطاغية، التي يعكس مصالحها، ويرتهن لسياساتها.
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ومع استمرارها، واتساع دوائر تأثيراتها كان الأمين العام للأمم المتحدة منحازاً، رغم علمه أن انحيازه لا يقدم ولا يؤخر في سير وتطورات الأحداث.
الغرب كله وعلى رأسه القوة الطاغية، ومعها إسرائيل لا يخجل من الاستطراد في الحديث عن القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة وميثاقها، الذي كانت تلك الدول أول وأكثر من انتهك منظومة القيم الدولية، أو صمت وشجّع على انتهاكها، انطلاقاً من المصالح والاستراتيجيات الخاصة.
لسنا بصدد تقديم جردة حساب ستكون طويلة، للانتهاكات الأميركية والإسرائيلية للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وحتى قيمها الأخلاقية.
ولكننا نتساءل ربما بسذاجة، عن مدى التزام أو مراعاة الولايات المتحدة للقانون الدولي والميثاق حين شنّت حربها على أفغانستان والعراق، وقامت باحتلال تَيْنك الدولتين ونهبت ثرواتهما، ودمّرت مجتمعاتهما؟
أين المتباكون على الميثاق والقانون الدولي، وماذا كان موقف ودور المؤسسة الدولية المسؤولة عن حفظ الأمن والسلام الدوليين؟
من على منبر الأمم المتحدة، وفي خضّم الاهتمام الدولي الحصري تقريباً على ملف الحرب في أوكرانيا، أطلق الرئيس محمود عباس عن حقّ صرخة في وجوه الجميع، وما كان يقصد الإهانة، بقدر ما أنه أراد الحكم على واقع قائم.
الواقع القائم يشير إلى أن الأمم المتحدة، مأسورة، أو مختطفة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وأن زعماء العالم حين يجتمعون أو وهُم متفرّقون، لا يملكون الإرادة أو القوة على تنفيذ أي قرار لا ينسجم أو يتوافق مع المصالح الأميركية والإسرائيلية.
زعماء العالم، يشبهون حالنا، فحين نقوم بأداء بعض الواجبات الاجتماعية، أفراحاً أو أتراحاً، أو حتى ورشات عمل، وندوات، يذهب الكثيرون فقط، من أجل المجاملة، أو من أجل التواصل مع بعض من يصعب الالتقاء بهم إلّا في مناسبات عامّة.
ما يجري على الساحة الدولية هو فرصة تاريخية، لم تكن خياراً لدى الكثيرين، ولكنها مواتية للانقلاب في وجه نظام دولي ظالم كباره هم من يتسبّبون في الكوارث التي تحلّ بالبشرية، وبالضعفاء، وهُم من يهدّدون الأمن والسلام الدوليين.
الأمم المتحدة، خصوصاً مجلس الأمن عقد بضع جلسات مخصصة لبحث ملف الحرب في أوكرانيا، مرات بدعوة من روسيا، ومرات أخرى بدعوات من أميركا وحلفائها، كانت المحصّلة دائماً، الفشل، لأن النظام والمنظومة القائمة تعطي الحقّ لأي من الدول الخمس الكبرى برفع "الفيتو" وإفشال أي قرار لا ينسجم مع مصالحها.
بشكل أو بآخر، فإن النظام القائم، لا يستند إلى الميثاق ولا إلى منظومة القوانين والحقوق، وإنما إلى مبدأ القوة، هذا المبدأ الذي تستخدمه الولايات المتحدة دائماً لحماية ودعم من ينتهك كل القوانين والأعراف، ولحماية من يتحدّى الجماعة الدولية.
قال الرئيس عباس، إن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت أكثر من سبعمائة قرار، وأصدر مجلس الأمن أكثر من ستين قراراً بخصوص الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، ولكن قراراً واحداً لم يتم تنفيذه.
إسرائيل أعلنت قبل ثلاث سنوات عن ضمّ الجولان السوري الذي احتلته من دولة ذات سيادة هي سورية، العام 1967، فماذا كان موقف ودور المجتمع الدولي، ومن أين استمدت إسرائيل الإرادة والقوّة، للإقدام على ذلك الانتهاك الفظّ والصريح لقرارات ومواثيق الأمم المتحدة؟
الأسئلة ـ لا نهاية لها ـ المتعلقة بالانتهاكات الإسرائيلية للقوانين والقرارات الدولية، بما في ذلك ارتكاب مئات المجازر الجماعية بحق الفلسطينيين، فمن الذي يحمي إسرائيل، ويمنع مؤسسات العدالة الدولية من محاسبتها؟
أين غوتيريش، والمجتمع الدولي والأمم المتحدة من ممارسات إسرائيل التي تمارس الإرهاب، والعنصرية والاستيطان في الأراضي التي تعتبرها الأمم المتحدة أراضي محتلة، ومن هي الدولة التي اعترفت لإسرائيل بأن القدس المحتلة عاصمتها ونقلت إليها سفارتها؟
لسنا بصدد تأييد أو إدانة، ما أقدمت وتقدم عليه روسيا، ولها أسبابها الوجيهة، في ضوء السياسة الأميركية وسياسات "الناتو" التي تهدد أمن روسيا، لكن الفلسطينيين أصحاب مصلحة في هدم وتدمير النظام الدولي الظالم الذي لا يخدم سوى مصالح الأقوياء والمستعمرين.
هنا يتجلّى الدرس الأساسي، وهو أن المراهنة على المجتمع الدولي، بمؤسساته القائمة، والنظام الدولي الذي تحتكر الولايات المتحدة السيطرة عليه، هو رهان خاسر، لا يمكن إهمال العمل معه، ولكن لا يمكن أن ينتظر الفلسطينيون أو غيرهم منه خيراً.
في عالم الغاب، هي القوّة التي تحقّق المراد، لأن القوّة الإسرائيلية تهزم قوّة الحقّ الفلسطينية والعربية، على أهمية وأساسية الحقّ والقانون كمنطلق.