نعني بالمصارحة قول الحقيقة كما هي، ورؤية الأمور على طبيعتها بعيدا عن المبالغة في إظهار الشي وتضخيمه أو كتمانه.
(المصالحة الفلسطينية)
في واقعنا الفلسطيني الحالي نفتقر للمصارحة على مستوى الفصائل الفلسطينية والتي تعد ركيزة هامة لإتمام المصالحة الوطنية التي دخلت عامها الـ 15 وجابت العالم في طياتها دون جدوى نتيجة انعدام المصارحة على أسس وطنية والتعامل معها على أنها مصالح حزبية وفئوية، اقتصادية وسياسية وإعلامية. ونتيجتها تعطيل الدستور الفلسطيني وسلطتين منفصلتين تخدم مصالحهم الفئوية وتعميق الانقسام الفلسطيني وتعطيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تستعد الفصائل الفلسطينية لعقد اجتماع بدعوة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي يسعى منذ مطلع العام الحالي على إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني، للوصول إلى مصالحة وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، قبل انعقاد مؤتمر القمة العربية المقررة في مطلع شهر نوفمبر المقبل والذي يواجه عده تحديات عربياً ودولياً فيما يخص القضية الفلسطينية وإيقاف الاحتلال وسياساته العنصرية، وللتمكن من مواجهه الاحتلال والضغط عربياً ودولياً وكبحه، يجب توحيد الموقف الفلسطيني ليلبي تطلعات الشعب الفلسطيني في السيادة والحرية والكرامة.
بالشكل العام لا توجد بوادر حسن نية بين الفصائل الفلسطينية لإتمام المصالحة، حيث بدأت بعض الفصائل بالحرب الإعلامية لإفشال مبادرة الجزائر، وهيه ليست المبادرة الأولى ومن الواضح أنها لن تكون الأخيرة فمنذ الانقسام السياسي والجغرافي، مرت المصالحة بعدة محطات للم الشمل الفلسطيني ومن أبرزها وثيقة الأسرى 2006، واتفاق مكة فبراير 2007، وإعلان صنعاء مارس 2008, ولقاء السنغال حزيران 2008، فمن ثم محادثات القاهرة من فبراير حتى أكتوبر 2009 ودمشق 2011/2010، ومصر حتى لتثمر إعلان توقيع اتفاق بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة مايو 2011 تلاها اجتماع قطبي الانقسام "عباس_مشعل" في نوفمبر وإعلان بدء شراكة فلسطينية جديدة، تبعها عدة اجتماعات مع الفصائل الفلسطينية لهدف تفعيل دور منظمة التحرير وتمثيلها للكل الوطني، وإعلان توقيع اتفاق يشرع تولي عباس رئاسة حكومة انتقالية مهمتها تسهيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبدء في إعمار غزة برعاية قطرية في الدوحة فبراير 2012، والعودة إلى القاهرة مع جولة جديدة من المفاوضات والاختلافات.
ليتبعها إعلان الشاطئ "غزة" في أبريل 2014، وتفاهمات القاهرة 2017... والعديد من اللقاءات والمباحثات في كثير من الدول والأطراف الإقليمية للوساطة بين طرفي الانقسام، وتقريب وجهات النظر والتوصل إلى حل يُفضي بتحقيق الوحدة الوطنية، ورغم توقيعهما لاتفاقيات في هذا الإطار، إلا أن تنفيذها لم يبصر النور من كلا الطرفين.
المطلوب اليوم من جميع الفصائل الفلسطينية التحلي بمسؤولياتها الأخلاقية والسياسية ومصارحة أنفسهم أولاً والشعب والتخلي عن إتباع سياسة "الملكية الخاصة والوراثة" في الحكم الجغرافي والسياسي، فهذه السياسة المُتبعة لم تجلب سوى انقسام وضياع وفقدان لمقومات الحياة وانعدام الأمل في الشارع الفلسطيني،
فالواقع الفلسطيني اليوم بحاجة إلى الذهاب نحو مصالحة فلسطينية جادة وشراكة سياسية في الحكم على أسس وطنية، للحفاظ على ما تبقى من وطن يُسلب في اليوم ألف مرة نتيجة "ضعف سلطتي الانقسام" ولإسناد الشعب الفلسطيني الذي يقارع الاحتلال بكرامته وشموخه ويضحي بروحه في سبيل أرضه.