قبل أن تبدأ في البحث عن "الكارثة الاقتصادية" التي أنجبتها حكومة المحافظين للشعب البريطاني، بعد انتخابها رئيسة في ظل "صفقات داخلية"، ذهبت ليزا تراس لتكشف عمق الكراهية المخزونة ضد الفلسطيني، شعبًا وأرضًا وقضية، وضد العرب دولا وأمة بكشفها عن صهيونيتها والتي تفخر بها.
ربما لم يكشف من سبقها من رؤساء حكومات لبلدها، صاحب الوعد البلفوري الاستعماري لكشف حقيقة انحيازهم الفكري وليس السياسي فقط إلى دولة الاحتلال، في استفزاز غير مبالي بما سيكون فعلًا مضادًا، ليس من "الرسميات العربية والفلسطينية"، بل من شعوب أمة لا تزال ترى في فلسطين قضيتها المركزية، رغم كل ما أصابها من "وكسات ونكسات"، منذ اغتيال الخالد المؤسس ياسر عرفات، ونجاح "الشارونية الجديدة" في خلق نظام فلسطيني منذ يناير 2006، شكل حارسا لتوسع المشروع التهويدي على حساب المشروع الوطني.
ليس مفاجئا، أن يعلن رئيس حكومة بريطانية انحيازه لدولة الاغتصاب، كونها بالأصل منتج بريطاني، تم نقل رعايته الرسمية إلى الإدارة الأمريكية، بعدما أصاب "الإمبراطورية" خرفا وهرما نتاج الحرب العالمية الثانية.
لكن "الشذوذ السياسي" الذي قالته تراس بالكشف الصريح عن عنصريتها الصهيونية، وهي رئيسة حكومة، فتلك مسألة لا يجب أن تمر عربيا وفلسطينيا باعتباره تصريح والسلام، بل هو جوهر لمنظومة فكرية لحركة وصفتها الأمم المتحدة نوفمبر 1975 في قرارها الأشهر رقم 3379، بأن " الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري" وتشكل خطر على الأمن والسلم العالمي ويجب مقاومتها.
وبعيدا عن التراجع الذي حدث عام 1991 عن القرار تحت ضغط انهيار النظام العالي واستفراد أمريكا بقيادته، فذلك لم يشطب جوهر التوصيف لتلك الحركة الفكرية – السياسية الكارهة لغيرها من الشعوب بنظرتها "التفوقية"، وليس فقط بجوهرها الاغتصابي المحتل.
تصريحات رئيسة الحكومة البريطانية، فتحت الباب للخطوة الأولى التي ستقوم بها في قادم الأيام، بنقل سفارة دولتها البلفورية من تل أبيب إلى القدس، كاسرة كل قوانين الشرعية الدولية، والتي صوتت حكومتها عام 1947 عليها، بل أن قراري 242 و338، كانا صياغة بريطانية في مجلس الأمن.
الوقاحة الفكرية لتراس، بالانحياز إلى حركة عنصرية تطهيرية، هو عداء مكشوف للشعب الفلسطيني، وكذا توافقا للعدوانية التوسعية لدولة "الحركة الصهيونية"، بتبني مطلق لشعارهم "من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل"، الشعار الذي لم يختف من ثقافتهم السياسية أدبا، منقوشا على صكوكهم الخاصة، رغم محاولات البعض العربي تطبيعا.
المحزن، أن بريطانيا لها مصالح متعددة وفي مجالات مختلفة مع الدول العربية، وربما يشعر البعض من بلدان أمتنا بحنين ما لتلك الإمبراطورية الاستعمارية، ويتفاخرون بثقافتها ليس انتماء للبعد الإنساني بها، بل ربما بما هو أكثر ظلامية من غيرهم في بلاد الغرب الاستعماري القديم والحديث.
افتخار تراس بصهيونيتها، ما كان لها أن تعلنه بذلك الشكل الأوقح، وبحالة افتخارية، لو أنها حسبت ذرة حساب لفعل عربي وفلسطيني، رسمي وشعبي، ولكنها تتعامل على ذات النظرية التي افترضها أجدادها الغزاة، بأن ذاكرة العرب "ضيقة" وسريعة النسيان، فكانت سياسة إدارة الظهر لأي انفعال سريع.
فقط، لنراقب كيف لها ان تكون، لو أن بلدان الأمة والجامعة العربية، تعلن وقف العلاقات مع تلك الحكومة ما لم تعتذر تراس إلى الشعوب العربية أولا، ولفلسطين دولة وقضية وشعب ثانيا، واعتبارها شخص معاد إلى حين تلبية ذلك.. سيخرج غالبية الشعب البريطاني يطالب بإسقاطها حرصا على مصالحهم، وخاصة في ظل حرب أوكرانيا وأثر أزمة الطاقة العالمية عليهم.
بالتأكيد، سيناريو لن نراه أبدا، ولو كان واردا بنسبة 10% لما تجرأت قول تلك الوقاحة الفكرية العنصرية ضد الشعوب العربية والفلسطينية، وخاصة أن "الرسمية الفلسطينية" مصابة بهلع مركب نجحت دولة الاحتلال ورأس الحية الأمريكي بتسريبه إليهم، بأن أي "تمرد" على الوضع القائم، سيتم انتهاء عهدهم لصالح غيرهم، الذي ينتظر ساعة الانطلاق، ليكون "الشريك الأمين" بتنفيذ مخطط شارون ب في الضفة وبعض القدس.
ولكن، بالإمكان تشكيل "جبهة غير رسمية" عربية فلسطينية، لفتح حرب شاملة ضد هذه الصهيونية العنصرية، في كل مكان ممكن، تبدأ بنشر صورتها على شعار دولة الكيان واعتبارها، ليس شخصا غير مرغوب به فقط في بلادنا من المحيط إلى الخليج، بل شخص مطلوب للعدالة، بصفتها جزء من منظومة مرتكبي جرائم الحرب والإعدامات اليومية، التي ينفذها جيش تلك الحركة الصهيونية في فلسطين وفي بلاد عربية سابقا.
نعم، بالإمكان أفضل مما كان، لمطاردة تلك "الشخصية الكريهة" تراس في كل بلد عربي، بمختلف الأنشطة أمام سفارة بلدها، ومراكزهم الثقافية التي تمثل جزءا من البعد الاستعماري، والعمل على وقف الذهاب اليها إلى حين الاعتذار.
التساهل مع ما قالت تراس.. تلك "القبيحة" فكريا يمثل نصرا للعنصرية التي جسدتها الحركة الصهيونية، وجرائم حربهم اليومية ضد فلسطين.. الشعب والأرض والقضية.