منذ فشل آخر جلسات الحوار الوطني الفلسـطيني في القاهرة خلال شهر مايو من العام الماضي، التي أعقبها قرار رئيس السلطة محمود عباس بتأجيل الانتخابات العامة، لم تجر أي محاولة جدية لإعادة قادة الفصائل لطاولة الحوار، بما في ذلك اللقاء الذي نظمه الرئيس الجزائري بين هنية وعباس على هامش الاحتفال بذكرى استقلال الجزائر.
في حقيقة الأمر، أن القاهرة كما هم قادة الفصائل يعرفون أن ألغام كثيرة وضعت في الطريق إلى المصالحة، منها ما هو الأخلاقي الذي يعتمد على قدرة القيادات السياسية في الالتزام بما يتفقون عليه، مثل وثيقة الشرف التي جرى توقيعها في آخر جلسات الحوار، وليس انتهاءً بالمسار الديمقراطي وإلغاء الانتخابات التي كان مقرراً إجرائها كمدخل لوحدة النظام السياسي وشرعيته.
إخفاق مصر في تحقيق المصالحة الفلسـطينية ليس لأنها لا تريد فعل ذلك، بل لأن هناك إرادة فوق إرادة عباس وحمـاس، ستفشل أي جهود تقوم بها مصر أو الجزائر وغيرهما من البلدان، ولأن الشعب الفلسـطيني أُبتلي برئيس رهن نفسه وسلطته لمزاج الاحتـلال والإدارة الأمريكية اللتان تدركان أن وحدة الشعب الفلسطيني تعني أن تغيراً سيطرأ على الموقف السياسي ويتطلب تعديلاً في المواقف الدولية تفرضها المتغيرات.
إضافة لرغبات واشنطن وتل أبيب في بقاء الوضع القائم، واستغلاله سياسياً وأمنياً واقتصادياً، توجد رغبة عند رئيس السلطة في أن يمضي حياته رئيساً لكل شيء، وأن يمارس سلطات التشريع والتنفيذ والقضاء دون منازع، والتقرير نيابة عن الشعب الفلسـطيني وإدارة الظهر لكل الشركاء والحلفاء، متسلحاً برضى الاحتـلال. الطرف الرئيس في كل الأزمة الفلسطـينية.
ولم يعد شكّ لدى غالبية المشتغلين بالسياسية قد أدركوا أن رضوخ عباس لخطط إسرائـيل لا يقتصر على تقديم "الخدمات الأمنية"، فهو قد ذهب لأبعد من ذلك، عندما قرر نيابة عن المؤسسات والفصائل والشعب تنصيب مسؤول التنسيق الأمني خليفة له في الحكم، مستفيداً من حالة التعب التي فرضها على الفلسـطينيين، وتدني قدرة الناس على الاحتجاج، بعد أن حاصرهم بالقمع الشديد والترهيب والقـتل كما فعل مع المعارض السياسي والمرشح لانتخابات المجلس التشريعي نزار بنات، ولم تكن محاولة اغتيال المعارض ناصر الدين الشـاعر هي آخر أعمال الترهيب.
ما بين آخر جولات الحوار الوطني في القاهرة وبدايتها في الجزائر حصلت تعقيدات كثيرة على الأرض، سيكون عصيّاً على أي بلد عربي فكفكتها دون امتلاك وسائل ضغط قوية ومؤثرة على جميع القوى وفي المقدمة منها رئيس السلطة الذي لم يدّخر جهداً لتعطيل كل اتفاق، فالعمل السياسي لا تنجحه التمنيات الصادقة التي تحملها الجزائر للفلسـطينيين.