كان مصطلح (وحدة الساحات) يتم الإشارة إليه أحيانًا عند الحديث عن (محور المقاومة) والمقصود به التفاعل والتنسيق بين الساحات التي تعادي إسرائيل وتُعلن المقاومة المسلحة ضدها وهي فصائل المقاومة في غزة وحزب الله وإيران وسوريا، ثم أطلق الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي إسماعيل النخالة مصطلح وحدة الساحات على المعركة التي خاضتها حركة الجهاد في مواجهة إسرائيل في أغسطس/آب الماضي.
وحدة الساحات المرادف والمقابل للقول بوجود استراتيجية لمقاومة الاحتلال سواء كانت على المستوى العربي أو الإسلامي أو الفلسطيني، وللأسف لم تتواجد في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني هذه الاستراتيجية (وحدة الساحات) في مستوياتها الثلاثة حيث نجحت إسرائيل تساندها واشنطن في تجزئة ساحات المقاطعة والممانعة والمقاومة من خلال تفتيت وتجزئة الأمتين العربية والإسلامية وزرع الخلافات والصراعات بين دولها وداخل كل دولة وآخرها ما جرى خلال فوضى ما يسمى (الربيع العربي)، حتى التنسيق الجزئي والتوصل لاستراتيجية موحدة بين مصر وسوريا خلال حرب أكتوبر 1973 لم يستمر طويلاً مما أدى لتحقيق انتصار جزئي في هذه الحرب وكان من الممكن تحقيق انتصار أعظم لو استمر التنسيق وتواصل الإسناد العربي للدولتين.
وبالنسبة لوحدة الساحات في نطاق محور المقاومة كانت الوحدة على مستوى الشعارات وأشكال متواضعة من الدعم والتنسيق فيما الواقع أن إسرائيل نجحت في التفرد بكل ساحة على حدة، فمرة تنفرد بساحة غزة فيما تصمت الساحات الأخرى ومرة تنفرد بحزب الله 2006 وتصمت الساحات الأخرى وهكذا.
لم ينجح العدو الصهيوني وتسانده واشنطن في تشتيت وإضعاف الموقف العربي المساند للفلسطينيين فحسب بل جر بعضهم للتطبيع والتعاون العسكري معه، كما نجح في إشغال كل طرف من أطراف محور المقاومة بمشاكل وتحديات داخلية جعلتها تحد عملياً من اهتمامها بالقضية الفلسطينية بل أحياناً يتم توظيف القضية الفلسطينية لخدمة سياسات ومصالح أحد أطراف محور المقاومة، وفلسطينياً نجح العدو في صناعة الانقسام وفصل غزة عن الضفة وخلق انشغالات ومشاكل لكل طرف، ولكن العدو لم ينجح في زعزعة إيمان الشعب بقضيته الوطنية أو ضرب وحدة الشعب وهذا ما نلمسه هذه الأيام من خلال تصاعد المواجهات بين أهلنا في الضفة وجيش الاحتلال وقطعان المستوطنين.
إطلاق حركة الجهاد الإسلامي مسمى وحدة الساحات على المعركة الأخيرة مع العدو الصهيوني كانت صرخة ألم وأمل في نفس الوقت بأن تشتعل كل الجبهات ضد العدو بدلاً من ترك الجهاد لوحدها في الساحة، وللأسف تمكنت إسرائيل من التفرد بحركة الجهاد ولم يتحرك محور المقاومة كما لم تشارك في المعركة فصائل غزة وخصوصاً حركة حماس.
لن نتوسع هنا في الحديث عن وحدة الساحات عربياً أو على مستوى محور المقاومة وحتى لن نعود للحديث عن الانقسام الفلسطيني الجغرافي والأيديولوجي والسياسي كأكبر خطر على وحدة المقاومة والوحدة الوطنية ووحدة الساحات، ما نريد الحديث عنه والتحذير منه هو مساعي العدو لتفتيت الساحات في الضفة الغربية من خلال محاصرة المقاتلين والتفرد بكل مدينة ومخيم.
ما جرى في مخيم جنين يتطلب استحضار مقولة وحدة الساحات فلسطينياً، فلا يجوز أن نترك العدو ينفرد بمخيم جنين لتبدو الحرب وكأنها بين مخيم جنين وإسرائيل، أو بين نابلس وإسرائيل، كما جرى سابقا ًفي الحروب على غزة التي أظهرت الأمر وكأنها حرب بين غزة وإسرائيل فقط ثم آلت إلى حرب بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل.
مع كامل تقديرنا واحترامنا للمقاتلين ولكل من يتصدى لجيش الاحتلال في مخيم جنين أو غيره من الساحات ومع كل إيجابيات أعمال المقاومة حتى وإن كانت فردية ومع إدراكنا أن المقاومة ككرة الثلج المتدحرجة تكبر بشكل متدرج، وحتى تتدحرج كرة الثلج في الاتجاه الصحيح يحتاج الأمر لاستراتيجية وطنية لمواجهة الاحتلال، استراتيجية متعددة مسارات العمل، سياسياً وثقافياً واقتصادياً ومقاومة شعبية، وبتنسيق بين كل الساحات ليس فقط بين مخيمات ومدن وقرى الضفة الغربية والقدس بل أيضاً بين الضفة وغزة و48 والشتات.
إن نجح العدو في تجزئة ساحات المقاومة في الضفة فستكون له الغلبة على كل ساحة منفردة ويجب عدم الانسياق للعواطف والمشاعر الوطنية الجياشة، فمن المبالغة توقع انتصاراً عسكرياً لمخيم جنين أو عشرات المقاومين على جيش الاحتلال، أو انتصارا لأهلنا في القدس في مواجهة المستوطنين وجيش الاحتلال إن تم تركهم لوحدهم في المواجهة، وقد رأينا ما آلت إليه الأمور في القدس.
علينا التذكير بأن بداية انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة منتصف الستينيات كان في ساحة الخارج ولولا مساندة الشعب داخل الوطن وخارجه والوحدة الوطنية التي كانت متجسدة في منظمة التحرير ما كان لهذه الثورة أن تنجح في استنهاض الوطنية والهوية الفلسطينية وفرض القضية على العالم كقضية تحرر وطني، كما علينا التذكير بانتفاضة أهلنا في داخل الخط الأخضر يوم الأرض في مارس 1976 حيث تفاعل الشعب في كل أماكن تواجده مع هذه الانتفاضة وما زال إلى اليوم يحتفل بذكراها، و انتفاضة أهلنا في النقب، ولنا في الانتفاضتين الأولى 1987 والثانية 2000 عبرة حيث تجلت الوحدة الوطنية أو وحدة الساحات خصوصا في بداية الانتفاضتين قبل أن تنقسم الساحات نتيجة الصراعات السياسية والتدخلات الخارجية، وكان أهم تجسيد معاصر لوحدة الساحات فلسطينياً في (معركة سيف القدس) في مايو 2021 حيث انتفضت جماهير شعبنا في الداخل وفي غزة والضفة والشتات اسناداً لأهلنا في القدس، وقد اعترف قادة الاحتلال أن ما جرى شكل خطراً وجودياً حقيقياً على إسرائيل، وللأسف تم إجهاض هذه الانتفاضة والالتفاف عليها بقوة التدخلات العربية والدولية وقوة البطش الصهيوني بالإضافة إلى أن الانقسام حال دون استمرارها واستثمارها كما جرى مع الانتفاضتين السابقتين.