قد يكون انتقال وفود الفصائل من الجزائر إلى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد فرصة لمصالحة جزئية لكنها مهمة، لتعويض مصالحة لم تتم إلّا على الورق وعَبر التصريحات والتقاط الصور التذكارية مع الرئيس الجزائري تبون. بعد جهدٍ مضنٍ وطويلٍ نسبياً، نجحت وساطات إيران و"حزب الله" في إقناع النظام السوري، بتدشين بداية جديدة للعلاقة مع حركة حماس ونحو إعادة اللحمة لـ "محور المقاومة".
واضح أن استقبال الرئيس الأسد، للوفد الفلسطيني الجماعي بما في ذلك الدكتور خليل الحية عضو المكتب السياسي لـ "حماس"، قد استهدف عدم منح "حماس" خصوصية، وربما، أيضاً، للإشارة إلى أن النفوس ليست صافية بعد.
كانت "حماس" قد حظيت قبل العام 2012، باحتضان وترحيب ودعم سوري كبير وملموس، وبعد عشرة أعوام، سيترتب عليها أن تفعل الكثير قبل أن تحظى بالثقة التي فقدتها نتيجة حسابات خاطئة بالتأكيد.
يُصرّ السوريون على أنهم بصدد استعادة العلاقة مع "حماس المقاومة" وليس "حماس الإخوانية"، لكن الأمر ينطوي على تمييز بين قيادات مقبولة لدى سورية وأخرى غير مقبولة.
تمييز بين قيادات تنتمي إلى الحاضر والمستقبل، وأخرى تنتمي إلى ماضٍ انحازت خلاله "حماس" إلى جانب "إخوان سورية" الذين حملوا السلاح ضد النظام.
وربما وفق هذا التصنيف لقيادات "حماس"، أن النظام السوري سيضع الحركة أمام اختبار علاقاتها وارتباطاتها بـ "جماعة الإخوان المسلمين"، وربما يشير إلى أن سورية لا تكتفي بالجواب الذي قدّمته الحركة العام 2016، حين أعلنت "وثيقتها السياسية".
"حماس" سبق أن أعلنت أن علاقتها بـ"جماعة الإخوان" لا تتجاوز التوافق أو الانسجام الفكري، ولم تعد لديها ارتباطات تنظيمية أو إدارية بـ"الجماعة".
ولكن كيف ولماذا وقع هذا التحوّل، في نظرة الحركة لسورية وجعلها تسعى وراء استعادة العلاقة، حتى أنها أصدرت بياناً في الفترة الأخيرة يشيد بسورية وقيادتها ودورها القومي؟
في الواقع، لم تغير سورية سياساتها، ولم تتغير قيادتها أو نظامها السياسي، وقد قدمت نموذجاً أسطورياً في الصمود أمام جبهة واسعة من الأعداء، الدوليين والإقليميين والعرب، وحتى من المرتزقة والتنظيمات المصنّعة، والموظّفة من قبل أطراف معادية، إلى ميليشيات محلية ضاع فيها المناضلون الحقيقيون الذين أرادوا إصلاح النظام في إطار المحافظة على الدولة.
خلال وإثر اندلاع ما سُميّ "الربيع العربي" انتعشت أحلام، واختلطت بأوهام، ترى في مجريات ذلك "الربيع" فرصة تاريخية لتحقيق طموحات قديمة جدّدتها السياسة الأميركية عَبر نظرية "الفوضى الخلّاقة"، التي كان هدفها تمزيق الممزّق العربي.
كانت "جماعة الإخوان" من بين أهم وأكبر الحركات السياسية التي سعت لاستغلال الاضطرابات والصراعات الدموية، لتحقيق أهدافها الشمولية نحو قيام "النظام الإسلامي".
وفي الحقيقة فإنّ الواقع في عديد البلدان العربية كان يمنحها مثل هذه الفرصة، وكانت "حماس" طلائعية في هذا الاتجاه حين سيطرت على السلطة في قطاع غزة العام 2007، أي قبل "الربيع العربي" بأكثر من ثلاث سنوات.
كانت "الجماعة" قد حققت فوزها في استلام السلطة في مصر الكبيرة، وكان، أيضاً، لها نفوذ كبير في السودان وموريتانيا، وتونس ولاحقاً حققت فوزاً انتخابياً في المغرب، وشكّلت الحكومة آنذاك.
غير أن "الربيع العربي" تحوّل إلى خريف، أو ما يقرب من الجفاف بعد الثورة الشعبية في مصر، التي أقصت "الإخوان" عن الحكم ودخلت معها في حالة صراعٍ مرير ومكلف انتهى باستقرار الأوضاع في مصر على النحو الذي نشهده، الآن.
ثمّ تتالى الفشل، وتتالت الخسارات، إلى أن أصبحت "الجماعة" ملاحقة في أكثر من بلدٍ، ما أحدث صدعاً كبيراً في قيادتها، ويدور الحديث عن انقسامات حادّة.
متأخّرة كانت، قيادة "حماس"، حين التقطت الدرس، وبدأت تتجه نحو توطين رؤيتها وسياساتها ودورها، فلقد تبخّرت أحلام "الجماعة" وأصبحت عبئاً على الحركة، في ضوء سطوة الجغرافيا السياسية.
هذا يعني أن فشل المشروع السياسي لـ "جماعة الإخوان" على الصعيد العربي قد شكّل أحد عوامل التحوّل الذي جرى على سياسة "حماس"، الأمر الذي يتجه نحو مزيدٍ من الرسوخ بعد أن لاحظت قيادة الحركة أنّ دولاً إسلامية حليفة اتجهت أو هي في طريقها نحو استعادة أو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
إذا كان هذا قد شكّل عاملاً مهماً في تحوّل "حماس"، فإن العامل الحاسم قد توفّر في ضوء تجربة الحركة التي سعت لأن تحظى بشرعية عربية أو إقليمية ودولية لكنها فشلت في تحقيق ذلك.
وفشلت "حماس"، أيضاً، في الحصول على شعبية وشرعية فلسطينية بسبب غياب الانتخابات، واستمرار حالة الانقسام.
إذا كان لا بدّ من أن يشكّل هذا الفشل، الدافع الأساسي والقويّ، لاستخلاص الدروس وأهمها أن التغيير الحقيقي والمثمر لا يمكن أن يكون إلّا عَبر المؤسسات الوطنية، وشرعية صناديق الاقتراع، أو الشرعية التوافقية كحدٍّ أدنى.
"حماس" جزء أصيل وفاعل وكبير في الحياة السياسية والاجتماعية والكفاحية الفلسطينية، ومن حقها أن تكون شريكاً وازناً في إدارة الشأن والقرار الفلسطيني، ولكن كيف لذلك أن يحصل طالما الانقسام قائم؟
كان على "حماس" أن تدفع ثمن أخطائها، كما دفع ويدفع الآخرون، ولذلك فإن عودة علاقاتها مع سورية تشكل خطوة أولى لا يمكن أن تكون بلا ثمن، والحال كذلك إزاء الانخراط في النظام السياسي الفلسطيني والذي يفرض عليها المزيد من المرونة في التعاطي مع ملف إنهاء الانقسام.
وإذا كان الظرف لا يسمح بنجاح الحوارات والوساطات، في إنهاء ملف الانقسام، فإن على "حماس" أن تبدي حساسية خاصة إزاء دمقرطة الحياة السياسية والاجتماعية في القطاع الذي تديره.