رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تواصل توريط التكتل الأوروبي بمقترحات جديدة لا أرجل لها على أرض الواقع، آخرها مقترح "الشراء الجماعي للطاقة"، بزعم عدم الخضوع لابتزاز الموردين.
ثبت أن الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية قد وضع أوروبا داخل عاصفة من الأزمات طالت مختلف أوجه الحياة الاقتصادية، أخطرها وستخرج الصناعات الأوروبية من ميزة المنافسة العالمية نظراً لتكاليف الانتاج التي أصبحت باهضة.
لم تستجب ادارة بايدن الأمريكية لتوسلات الرئيس الفرنسي ماكرون لخفض أسعار توريد الطاقة لبلدان الاتحاد الأوروبي التي تجاوزت أربعة أضعاف التوريدات الروسية، ولم يصغ أحد من صانعي القرار الأوروبي والأمريكي لتحذيرات وزير الاقتصاد الألماني بصفته مختص وهو يتحدث عن الانهيار الاقتصادي المرتقب.
اذا ما أغفلنا جنوح الساسة الأوروبيين نحو خطاب التطرف والعنصـرية بفعل الحرب والاصطفافات العمياء خارج منطق السياسة والمصالح، كان أبرزها تصريحات جوزيب بوريل ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، قبل أيام، والتظاهرات الواسعة في معظم العواصم الأوروبية ضد الغلاء في كل شيء، لا يمكن اغفال أن رئيسة المفوضة الأوروبية المتحمسة جداً للعقوبات، لم تجب ولا مرّة عن أسئلة المستقبل التي ينتظرها المواطن الأوروبي حول مصير الصناعة والتنافس والرفاه والطاقة النظيفة والبيئة وأوضاع بلدان جنوب أوروبا في ظل هذه الأزمات الطاحنة وغياب المسؤولية التضامنية معها.
أورسولا فون دير لاين لم تجب على أسئلة أي خبير اقتصادي يتابع الأرقام المخيفة لمعدلات التضخم وارتفاع الأسعار، والرعب المنتظر في فصل الشتاء، ولماذا رغم اندفاعها الشديد لتبني الموقف الأمريكي والتضحية بجملة من القيم الأوروبية وبقوت يوم المواطنين وحقوقهم الاقتصادية، لم تفتح أبواب الاتحاد أمام عضوية أوكرانيا، من زاوية التضامن المزعوم على الأقل وخذلت رئيسها زيلينسكي الذي كان يتوسل ذلك في أكثر من مناسبة. الأمر الذي يعزز بقوة فكرة ان الالتزام الأوروبي نحو أوكرانيا في هذه الحرب لم يكن سوى انصياع لرغبات بايدن أكثر منه تضامن مع هذا البلد الذي مني برئيس قامر بمستقبل شعبه استجابة لنفس الرغبات الأمريكية.
فون دير لاين تغفل دائماً وعمداً مكاشفة مفوضيتها بأن عقوباتها لم تحشر روسيا في أزمة الاقتصاد، بل دفعتها نحو خيارات أوسع في آسيا والشرق الأوسط، ستعزز من نموها الاقتصادي، وتمكنها أكثر من مواصلة معركتها في أوكرانيا ومع واشنطن وحلفها الغربي. ذلك رغم أن الشفافية والمكاشفة والمساءلة كانت من ضمن الأخلاقيات التي أنفقت عليها أوروبا أموال طائلة لترسيخها كثقافة وطريقة حياة وحكم.
رئيسة المفوضية الأوروبية التي قبلت أن تكون مفوضة الموقف الأمريكي في أوروبا، لم تعلن ولا مرّة واحدة عن الذي تحقق من حزم أهدافها ومقترحاتها، وكيف ساهمت تلك المقترحات التي تحوّل جزء منها إلى قرارات في وقف الحرب الدائرة ومعاقبة موسكو؟ ولماذا لم تقنع النرويج والولايات المتحدة بخفض أسعار توريدات الطاقة لبقية البلدان التي تمثلهم، وكم مليار دولار استفادت شركات النفط والسلاح في أميركا من البلدان الأوروبية التي كتب عليها فرض العقوبات.
ستهرب فون دير لاين كحال بقية صانعي القرار الأوروبي من الاعلان الصريح عن فشل حزم عقوباتها الثمانية، وتواصل ويواصلون إلى حدّ الكارثة التصعيد مع روسيا، إلى أن يقرر الشارع الأوروبي في ذلك، أو يسبقهم الناخب الأمريكي خلال نوفمبر القادم في تقرير مصير تلك الحرب التي طالت الجميع، وهددت السلم العالمي والأمن الاقتصادي والمعيشي لملايين البشر.
قبل حديثها عن توحيد البلدان الأوروبية في ترشيد استهلاك الطاقة، وتوحيد القارة الأوروبية على تنسيق صفقات شراء الطاقة من مصادر غير روسية، كان عليها الحديث الواعي لترشيد المواقف السياسية وطرح مبادرات سلام تجنب العالم ويلات هذا الصراع الذي تدفع واشنطن إلى ديمومته وتطويره بإثارة سيناريو الرعب النووي، دون الالتفاف لمصير ملايين الأوروبيين المنتظرين شتاء بدون طاقة وكهرباء.