لا نريد لهذه القمة العربية الـ31 التي ستعقد في الأول والثاني من شهر تشرين ثاني القادم في الجزائر، أن تكون تكراراً و"اجترارا" للقمم العربية السابقة، وبأن تبقى قراراتها حبراً على روق يجف قبل انفضاضها، فالشعوب العربية من كثرة خيباتها ومرارتها من تلك القمم لم تعد تكترث لعقدها أو من سيحضرها أو يقاطعها أو يغيب عنها بعذر وبدون عذر، لأن تلك القمم رسخت في وعي الشعوب والشارع العربي، بأن أمتنا تحولت إلى ظاهرة صوتيه، قرارتها لا تجد طريقها للتنفيذ، بل كل قمة جديدة تضيف المزيد من الإحباط واليأس عند المواطن العربي، فلا تقدم له أي حلول عملية للمشاكل التي تعاني منها تلك الشعوب سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية من فقر وجوع وبطالة وغلاء وارتفاع أسعار، أو العمل على تصفية الخلافات والحروب والفتن التي تصيب وتعسف بأكثر من قطر عربي، حيث القتل والدمار والخراب ونهب الخيرات والثروات، ومصادرة القرار العربي المستقل، وغياب المؤسسة الجامعة التي توحد كلمة العرب وتعلي رايتهم وتعيد لهم مجدهم وعزتهم وكرامتهم، في ظل انتقال قيادة العالم العربي من الثورة إلى الثروة.
نحن نتمنى للجزائر التي نقدرها عالياً كشعب فلسطيني رئيساُ وحكومة وبرلماناً وشعباً، والتي قال رئيسها الراحل الكبير الأسبق هواري بومدين" أنا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، وعلى نهجة تسير القيادة الجزائرية الحالية، بقيادة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، فالجزائر احتضنت حوارات المصالحة الفلسطينية، ومن قبلها كان إعلان الاستقلال الفلسطيني من على أرض الجزائر في 15/11/1988 ،وكذلك، هي تحتضن القمة العربية الـ 31، والتي نأمل ونتمنى أن تنجح الجزائر في إحداث اختراقات جدية، تمهد لتصفية الخلافات العربية العربية والفلسطينية - الفلسطينية.
ما تطلبه القدس بكل مركباتها ومكوناتها سياسية وطنية ودينية ومؤسساتية وشعبية من هذه القمة العربية، أن يكون هناك ترجمة عملية للقرارات التي تتخذ لتعزيز صمود المقدسيين وحماية أرضهم ومقدساتهم ودعمهم وإسنادهم، بكل الطرق والوسائل سياسية حقوقية قانونية إعلامية، وكذلك تقديم الدعم المادي للقطاعات التي تشكل مداميك أساسية في بقاء وصمود وتمسك المقدسيين بأرضهم وكل مكونات جودهم في المدنية، تعليم وصحة وإسكان وسياحة وفنادق وكذلك دعم وتعزيز صمود تجار البلدة القديمة من القدس، تلك البلدة القديمة التي يستهدفها الاحتلال بالتهويد وطرد وتهجير سكانها وشل الحركتين التجارية والاقتصادية فيها، تمهيداً لسيطرة الجماعات الاستيطانية عليها. فالمواطن المقدسي الذي يسمع مع كل انعقاد قمة عربية، عن الأموال التي تخصص لدعم القدس والمقدسيين، بمئات ملايين الدولارات، بات يتساءل في ظل كل هذا الدعم العربي "المنهمر" على القدس والمقدسيين، يفترض أن تتحول القدس إلى جنة الله على أرضه، ولكن هذا الدعم الذي بات يخلق أزمة وحالة من عدم الثقة بين القيادة واهل القدس، في أغلبية وبنسبة لا تقل عن 90% وما فوق، فقط هو في الإطار الشعاري والدعائي والإعلامي، ولا يجري ترجمته بفعل أو تنفيذ على الأرض.
وكذلك لسان حال المقدسيين يقول لكل الزعماء العرب اعتمدتم في قمة بيروت آذار/2002، ما يعرف بمبادرة السلام العربية والتي نصت على "الأرض مقابل السلام"، ولكن مبادرتكم آلت إلى "التطبيع والأمن مقابل السلام"، فهل هذه الهرولة العربية الرسمية للتطبيع مع دولة الكيان، قادت إلى استرجاع حق فلسطيني أو عربي أو نجحت في استعادة أرض عربية أو فلسطينية، أو حمت القدس والمقدسات ومنعت تمدد وتوسع الاستيطان، أو وقف عمليات القمع والتنكيل بحق شعبنا الفلسطينيين واستباحة دمه وحقوقه بالقتل والاغتيال والاعتقالات والعقوبات الجماعية؟، أنتم تعرفون وتدركون جيداً بأن هذا التطبيع، ليس فقط مخالف لما تسمونه بمبادرة السلام العربية، بل لم يستفد منه سوى المحتل، بأن اعتبر تطبيعكم المجاني ضوء أخضر لكي يوسع من قمعه وتنكيله وارتكاب جرائمه بحق شعبنا الفلسطيني، وتكثيف وتصعيد الاستيطان، ولذلك في قمتكم هذه مطلوب منكم أن توقفوا بوابة الانهيار الرسمي العربي، ووقف هذا التطبيع المجاني المدمر، وإعادة اتجاه البوصلة نحو قضية العرب الأولى والمركزية فلسطين، حيث حرف البعض العربي البوصلة عن عمد، كما حرف الصراع عن أسسه وقواعده.
وأيضاً فيما يتعلق بنقل العديد من الدول لسفارتها من تل ابيب إلى القدس، عدا كونه مخالف لقرارات الشرعية الدولية واتفاقياتها، ويشرعن ضم مدينة القدس لدولة الكيان واعتبارها عاصمة له، فقممكم قالت بفرض عقوبات على الدول التي تنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، ولذلك مطلوب منكم أن تمتلكوا قراركم وإرادتكم، وتتخلوا عن حالة الارتجاف والدونية في التعامل مع من يغتصبون أرضنا ويحتلونها ومن يقدمون لهم الدعم ليل نهار، ولا يلتفتون اليكم إلا بمقدار خدمتكم لمصالحهم وأهدافهم، وأضعف الإيمان حتي يتم وقف هذا المسلسل، كان الأجدر بكم سحب سفرائكم من عواصم تلك الدول وإغلاق سفارتها في بلدانكم، حتى تنصاع لما يعرف بالشرعية الدولية" مزدوجة" المعايير وانتقائية التطبيق، وبقرارتكم هذه فقط يصبح لكم قيمة واحترام ويحسب لكم ألف حساب، بدل النظر لكم على أنكم " فزاعة" وظواهر صوتية .
نحن ندرك بأن هذه القمة البعض العربي، يريد أن يفشلها قبل بدئها ارتباطًا برؤيا قاصرة ومصالح شخصية وقطرية ضيقة، ولا يريد لها أن تشكل قمة "لم الشمل العربي" أو حتى الفلسطيني، ولا تريد للجزائر أن تنجح في مسعاها هذا، بل تريد أن تبقي على حالة الشرذمة والتفكك والتفتت العربي، تلك الحالة التي ستعزز من مظاهر وظواهر الإحباط واليأس عند الشعوب والجماهير العربية من قيادتها ومؤسساتها الرسمية، تلك المؤسسات التي تنظر اليها تلك الشعوب من جامعة دول عربية أو منظمة التعاون الإسلامي، بأن قرارها خارج سيطرتها، بل تتحكم فيه أمريكا ومن ينفذ إرادتها وقرارها من دول النظام الرسمي العربي.
القدس يا قادة العرب ما تحتاجه منكم، أن تحدثوا اختراقاً جدياً نحو "لملمة شملكم" ووحدتكم، فبدون ذلك لن يحترمكم العالم ولن يحسب لكم حساب، وستبقون مثل “الطابة" عرضة للتقاذف من هذا الطرف أو ذاك.. نحوا خلافاتكم جانبا، ووحدوا مواقفكم، وأعيدوا البوصلة إلى اتجاها الصحيح، وكذلك أعيدوا الصراع إلى قواعده وأسسه الصحيحة. القدس يا قادة العرب تقول لكم بأنه من العار على أي عربي أو مسلم، أن يقبل بأن يصبح اسم المسجد الأقصى "جبل الهيكل" في المنهاج التعليمية التي يريدون فرضها على طلابنا في القدس، أليس الأقصى قبلتكم الأولى ومسرى رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم ؟،أليس من العار عليكم أن تقبلوا بأن يصبح اسم يوم نكبتنا "استقلال" دولة الكيان وتشارك العديد من قياداتكم فيها.
القدس يا قادة العرب تقول لكم مللنا من الشعارات والخطابات والقمم المكررة الإنشاء وبيانات الشجب والاستنكار والشكر لحسن الضيافة، ودعم الشعب الفلسطيني اللفظي في الحصول على حقوقه وإقامة دولته المستقلة، فحقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة لن تأتي من بوابة التطبيع والبيانات والشعارات الجوفاء والخطب الرنانة، فالتاريخ يعلم بقديمه وحديثه، الطريق الصحيح لنيل الحقوق وتحرير الأراضي المغتصبة.