في سياق الصراع المتواصل منذ الغزوة الأولى لأرض فلسطين ضد المشروع التهويدي الإحلالي، مع بناء أول مستوطنة في بلدة "الشجرة" بصفد عام 1881، وحتى تاريخه الراهن، تختلط مفاهيم التعبير مع منتجات الصراع وكيفية تناولها.
والمسألة الأبرز في ثقافة الاختلاط أو التيه الثقافي، كيفية التعامل مع قضية شهداء الوطن خلال مواجهة العدو القومي، دون الانتباه غالبا لجانب آخر يتم في سياق حركة المقاومة والكفاح الثوري.
"الاستشهاد" جزء من ثمن الفرض نحو التحرر والاستقلال، وسجل الشرف الفلسطيني لا يتوقف عن تسجيل حركة شبه يومية، كما الجرحى في مسار طويل، ولعل ثقافة استقبال "الشهداء" بالزغاريد تجسد قيمة إنسانية نادرة، قد لا تكون عند غير الفلسطيني، تجسيدا لاعتبار "الاستشهاد القيمة الوطنية العليا"، المفروضة حقا وواجبا وضريبة، وهي ظاهرة شعبية تمتد حيث وجود الشعب الفلسطيني، داخل الوطن وخارجه.
ورغم تلك "القيمة الوطنية العليا" للاستشهاد في سياق المواجهة الكفاحية، فما يجب التوقف أمامه، ضرورة "فك الارتباط" بين البعد الشعبي والقانوني في التعامل مع هذه القضية بحساسيتها الخاصة والدقيقة جدا.
كثيرا ما تقدم قوات جيش الاحتلال، وأجهزته الأمنية وأدواته الإرهابية من فرق خاصة ومستوطنين، على اعدام مباشر لمنفذي العمليات المسلحة المقاومة، دون أي مراعاة للقانون الإنساني العام المشتق من القانون الدولي، بذريعة انه "رد فعل" على "فعل"، رغم ان المشهد الذي تكشفه ما يتم نشره من قبل إعلام دولة جيش الاحتلال يشير إلى ما هو غير ذلك.
وبلا شك، تستغل دولة الكيان العنصري وإعلامها، ذهاب الفصائل الفلسطينية كافة، والسلطة الرسمية إلى التعامل مع جانب "البطولة" التي يجسدها "الفدائي المقاوم"، وبأنه جزء من المعركة الطويلة، وتذهب اللغة إلى سقفها الأعلى لوصف حركة "الافتخار" بالفعل المقاوم، ما يؤدي إلى طمس جانب آخر من ذلك الفعل.
فكثيرا ما أظهرت عمليات النشر للعمليات الفدائية ضد الغزاة المحتلين ومستوطنيه الإرهابيين، ان هناك "زمن متاح" لاعتقال "الفدائي"، والسيطرة عليه بعدما يفقد القدرة الكلية على تشكيل "تهديد" ما، ولكن الأمر يذهب لتنفيذ حكم إعدام مباشر وعلى الهواء بحق الفدائي، كراهية وانتقاما.
وتتداخل مع تلك الظاهرة، مسألة "الإعدام المبكر" تحت ذريعة "نوايا القيام بالعمل"، او ربما يمثل "خطرا لاحقا"، وعليه تقوم بـ "عملية الإعدام" المسبق دون أي حساب لمساءلة أو ملاحقة، عما ترتكبه من فعل القتل المباشر.
ربما بات ضروريا من المؤسسات الحقوقية والقانونية في فلسطين، ألا تقع في فخ "الشعبوية الافتخارية" التي تمارسها الفصائل المتوالدة، وكذا السلطة الرسمية في تناول قضية إعدام الفدائي بشكل مباشر، أو "الإعدام المسبق"، وأن تذهب إلى التعامل مع "القانون العام"، باعتبار ما تقوم به دولة الاحتلال، جيشا وأمنا وأدوات تنفيذية إرهابية، هو شكل من اشكال جرائم حرب، فتعمل على توثيقها وترسلها إلى المؤسسات الدولية، كي تكون شهادات حية لملاحقة الكيان العنصري في المحكمة الجنائية الدولية.
فضح جرائم جيش الاحتلال وأدواته المختلفة فيما يرتكبه من جرائم حرب علنية، ضد الفدائيين المقاومين قضية يجب أن تصبح جزءا من "مقاومة العدو"، كسلاح مضاف من أسلحة العمل الثوري الفلسطيني، وليست نقيصة ابدا من روح الفعل الثوري، بل عكسها تماما، حيث ملاحقة المجرم تصبح قوة مضافة لمواجهة الغزاة، وتصيبهم بهلع وتفكير خوفا مما ينتظرهم.
الحديث عن "إعدام الفدائي" لا ينال أبدا من حالة " الافتخار الوطني" بعمله الثوري، ضمن "الحالة الشعبية" حول البطولة الخاصة.. لكنه ضرورة وطنية لمحاسبة مجرم لا يجب أن يبقى دون حساب.