أظهرت استطلاعات العينات الانتخابية الإسرائيلية تقدماً لمعسكر بنيامين نتنياهو على معسكر التغيير الذي يتزعمه كل من رئيس الوزراء الحالي يائير لابيد ووزير الحرب بني غانتس. ومع حصول معسكر نتنياهو على 61 مقعداً في الكنيست، فهذا يعني قدرته على أن يؤلف حكومة إسرائيلية تحت قيادته، كما يعني أن خياراته ستكون أكثر أريحية من الجولات الانتخابية الأربع السابقة.
بالتأكيد، لا يمكن الجزم بنتائج العينات حتى تخرج النتائج الرسمية من لجنة الانتخابات المركزية. لذلك، سنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على بعض الملاحظات التي واكبت العملية الانتخابية وانعكست على نتائج الاستطلاع، وأهمها:
أولاً، من الواضح أن نتنياهو نفذ "ريمونتادا" سريعة للعودة إلى بيت رئيس الحكومة في شارع بلفور في القدس المحتلة بعد غياب أقل من عامين تقريباً، الأمر الذي يؤكد أنه رجل السياسة الداخلية الأول في "إسرائيل"، أو "الساحر"، كما يحب أنصاره تسميته، لكن تقدمه، سواء على مستوى الليكود أو معسكر حلفائه، مؤشر على أن الناخب الإسرائيلي لا يحترم القانون ولا يهوى الملتزمين به، بل لديه دوماً عشق للوقاحة والإجرام، كانعكاس حقيقي للفكر والسلوك الصهيوني المجتمعي والسياسي المؤسس للكيان الإسرائيلي.
هذا الأمر لم يظهر بتقدم نتنياهو فحسب، بل أيضاً بحصول حزب شاس على 11 مقعداً تحت قيادة أرئييل درعي؛ المجرم السابق الذي عاد إلى السياسة بعد خروجه من السجن، والمتهم حالياً بالتهرب الضريبي وخيانة الأمانة.
ثانياً، أعتقد أنَّ نتائج العينات تؤكد تراجع قوة شعبية "الجيش" الإسرائيلي داخل المجتمع الإسرائيلي، الأمر الذي أوضحته العديد من الاستطلاعات في العامين الماضيين، فالتحولات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية العميقة التي حدثت داخل المجتمع الصهيوني قدمت التيار اللاعقلاني الديني الاستيطاني الغوغائي على حساب جنرالات "الجيش" الإسرائيلي السابقين ورؤساء أركانه، الذين كانوا سابقاً "درة تاج" السياسة الإسرائيلية وأهم قادة حكومته.
وعندما نرى تقدم كتلة الصهيونية الدينية بقيادة بتسليئل سيموترتش وإيتمار بن غفير؛ ذلك الرجل الفوضوي الذي لم يخدم حتى في "الجيش" الإسرائيلي، بل اعتُقل بتهمة الإرهاب اليهودي، على كتلة المعسكر الرسمي بقيادة بيني غانتس وغادي أيزنكوت اللذين يعدان من أهم قادة رؤساء الأركان في "الجيش" على مدار العقود الثلاثة الماضية، وتسجيل كتلة الصهيونية الدينية أعلى نسبة لحزب صهيوني ديني منذ قيام الكيان الصهيوني، فبالتأكيد نحن أمام تغير جوهري في خريطة القوى داخل المشروع الصهيوني برمته.
وأعتقد أنَّ انتخابات 2022 تعد الانقلاب السياسي الثاني بعد انقلاب عام 1977 الذي صعد إثره حزب الليكود اليميني بزعامة مناحيم بيغن إلى رئاسة الحكومة على حساب حزب العمل المؤسس الأول للكيان الصهيوني، الأمر الذي يشير إلى تحول الصهيونية الدينية الاستيطانية من هوامش المشروع الصهيوني إلى مركز قيادة المشروع، بما يحمل ذلك من تداعيات وآثار في شكل الكيان، والأهم في طبيعة الصراع معه وجوهره.
ثالثاً، هناك كتلة انتخابية جديدة أطلق عليها مسمّى "الناخبين الجدد"، وهم الجيل الشاب الذي سُمح له بالانتخاب لوصوله إلى السن القانوني. تبرز أهمية هذه الكتلة الناخبة الجديدة داخل المجتمع الحريدي في كونها أكثر فاعلية من الأجيال السابقة في المجتمع الحريدي المغلق، الأمر الذي استشعر نتنياهو أهميته وعمل على الاستفادة منه برفع نسبة التصويت لمعسكره مقارنة بنسبتها في الانتخابات السابقة، بعدما ذهب إلى مدن الحريديم عدة مرات خلال الأيام السابقة للانتخابات لحثّهم على التّصويت له ونجح في ذلك.
رابعاً، الأحزاب العربية هي أكبر خاسر في الانتخابات، والمصالح الحزبية أدت إلى فقدان كتلة "بلد" 4 مقاعد حتى الآن، وهي التي لم تصل، بحسب الاستطلاعات، إلى نسبة الحسم 3.25%. ورغم أن نسبة التصويت في الداخل الفلسطيني المحتل جيدة جداً، فقد كان يقابلها نسبة تصويت عالٍ في الوسط الصهيوني، إذ وصلت نسبة التصويت العامّة إلى نحو 71.3% بعد إغلاق صناديق الاقتراع، وهي أعلى نسبة منذ عام 2015، وفقاً للجنة الانتخابات المركزية، الأمر الذي أخرجها حتى الآن من الكنيست، رغم وصولها إلى نسبة 3.1%.
معركة الانتخابات في "إسرائيل" تحكمها أعراف وقواعد تختلف بالمطلق عن معركة تشكيل الائتلاف الحكومي؛ ففي معركة تأليف الحكومة من العادي جداً عدم الإيفاء بالوعود الانتخابية التي نادت بها الكتل الانتخابية في برنامجها الانتخابي، وسرعان ما تتمّ الصفقات السياسية والمصلحية بين قادة الأحزاب السياسية في غرف الفنادق البعيدة من أعين الإعلام.
في الختام، يمكن القول إنَّ انتخابات "إسرائيل" عام 2022 أنتجت تحالف فساد بقيادة نتنياهو مع فكر الحاخام الإرهابي مائير كهانا بقيادة بن غفير والانتهازيين الهامشيين الحريديم، نجح في هزيمة الصهيونية التأسيسية ذات الوجه المغطى بقناع العقلانية والديمقراطية الفاشية.